شفاء الممسوس



سبق شفاء الممسوس وجود الربّ يسوع مع التلامذة في السفينة وسط بحيرة طبريّة وتعرّضت السفينة لريح كادت تغرقها، فأيقظ التلاميذ الربّ بعد سيطر عليهم الخوف. على الفور وقف يسوع وصرخ في وجه الريح وأسكته ووبّخ تلاميذه لعدم إيمانهم.


أمّا هنا فنجد الربّ يسوع في مواجهة مباشرة مع الرياح الشيطانيّة التي تغرّق الإنسان في الظلام وتجعل منه عبدًا للشيطان وتعرّيه من النعمة الإلهيّة. 
14680663_786542638116118_481797047046022678_n (1)
 
حادثة شفاء المسوس موجودة في إنجيل متى (مت٢٨:٨-٣٤) ولكن مع ممسوسين وليس مع ممسوس واحد كما هو الحال في إنجيل لوقا. 

التفسير الأكثر شيوعًا أنّه هناك فعلًا مجنونان ولكن كان أحدهما أكثر شراسةً وصيته ذائع. وفعل الأمر نفسه مرقس الإنجيلي ( مرقس ١:٥-٢٠).
 
مكان وقوع الحادثة في الجليل، جليل الأمم وتحديدًا في كورة الجرجسيّين كما يذكر الرسول متى، وهي نفسها كورة الجدريّين كما أتى في إنجيلي مرقس ولوقا. 
 
أوّلًا كلمة كورة هي كلمة أراميّة تعني مدينة وهي وكثير من المنطق ما زالت تحمل هذه التسميّة حتّى اليوم وأشهرهم “الكورة” في شمال لبنان.


أمّا الكنية فهي مرتبطة بسكّان المنطقة، ف”جرجسة” هي إحدى المدن العشر الجليليّة، و و”جرجسة” تقع في مقاطعة اسمها كورة الجدريّين. 

فكون متّى الإنجيلي يتكلّم مع اليهود في إنجيله فكان أكثر دقًة في الوصف كون اليهود يعرفون جيّدًا المناطق تلك، أمّا الإنجيليّن مرقس ولوقا يكتفيان بذكر المقاطعة ككل. المهم طبعًا هي الحادثة بحد ذاتها والمغزى منها.
 
الشيطان هو بالأساس ملاك نور ولكنّه سقط هو ملائكة أخرين تابعين له من جراء كبريائهم ورغبتهم بالسلطة من دون المحبّة، وأصرّوا على اجحادهم ولم يتوبوا. 
 
هذا أبشع ما يمكن أن يصيبنا، فمن جهّة أولى الكبرياء هي أم الأهواء بعكس الاتّضاع التي هي أم الفضائل، ومن جهّة ثانية التسلّط من المحبّة هي شر مطلق.
 
ولكن، الشيء الأهم هو أن ليس للشيطان سطوةً غير إرادية على الإنسان، بل الإنسان ذاته من يفتح له الباب ليدخل ويتربّع على عرش نفسه. صحيح أن الخطيئة هي أصلًا من الشرير كما نذكر في صلاة الأبانا “نجنّا من الشرير” ولكن الإنسان أقوى منها وهذا ما قاله الله تحديدًا لقايّين منذ بدء الخليقة “عند الباب خطيئة رابضة واليك اشتياقها، وأنت تسود عليها” ، نعم، نحن نسود على الخطيئة وليس العكس. ولكن لا يمكننا أن نسود عليها إلّا باتّحادنا بالرّب."كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا" (١يوحنا١ ٤:٥)
 
وهذا أيضًا ما تنشده الكنيسة في طروباريّات القدّيسين الشهداء:”شهيدك يا ربّ بجهاده، نال منكَ الاكليل غير البالي يا إلهنا، لأنّه أحرز قُوّتَكَ فحطَّم المغتصبين، وسحقَ بأسَ الشياطينَ التي لا قوّةَ لها، فبتوسّلاته أيّها المسيح الإله، خلّص نفوسنا”.


مأوى الشيطان الظلمة أمّا الربّ يسوع فهو نور من نور، والنور يفضح الظلمة ويغلبها، لا بل يبددها. فمبجرّد أن حضر الرّب يسوع حلّ النور وتبدّد الظلام. هذا ما حصل في الجحيمعند نزول يسوع إليه، وهذا ما يحصل في كلّ مرّة يدخل الربّ نفوسنا. نحن أبناء النور ولا يمكن لظلمة أن تدركنا إن التصقنا بالرّب الفادي.
 
صرخة الشيطان كذب ورياء لأنّها خالية من التوبة. التوبة الصادقة تقيم الإنسان من الموت، لا بل تجعل من صاحبها “أعظم من الذي يقيم الموتى”، هذا ما يقوله القدّيس اسحق السرياني.
 
يصرخ الشيطان خوفًا من العذاب، نعم، فهو لا يتكلّم بلغّة الخلاص بل بلغّة العذاب، فهذه هي اللغّة الوحيدة التي يُدركها والتي يُعطيهالأتباعه وضحاياه.  
 
الشيطان جعل من هذا الإنسان مفصولًا، عدا عن أن جعله شرسًا. فقيّد بالسلاسل وسكن القبور. هكذا تفعل الخطيئة بنا إذا أصريّينا عليها، تفصلنا عن نعمة الله ومن ثم تُقيّدنا وتبيتنا مع الأموات. هكذا يتسلذ الشرّير بافتراسنا.
 
لم يستأذن الشيطان الدخول في إنسان آخر بل بالخنازير إذ هو يُدرك جيّدًا كم هي كبيرة مكانة الإنسان عند الله. كيف لا والله أصبح إنسانًا. بالإضافة إلى ذلك أن تربية الخنازير كانت مخالفة للناموس، فالشيطان يعرف ما هو المخالف ويلتصق به ليزيده هلاكًا. 
 
يبقى أن نعرف أن كلمة لجئُون هي كلمة لاتينية تعني فرقة من الجيش الروماني تتعدّى ستّة ألاف جندي. وهنا تعني أن قوّى الشر تتكاتف في مع بعضها بعضًا لمحاربة الرنسان، ومع ذلك فهي أمام الله هالكة لا محالة.
 
ردّة فعل الناس في تلك المنطقة كانت تجاريّة صرف، فهم لم يأبهوا لخلاص إنسان بل فضلّوا مصالحهم عليه، عكس الممسوس الذي شفي، فقد أراد أن لا ينفصل عن النور بتاتًا ولكن الرب أرسله لينير أهل بيته. 
 
فالمجد لك يا رب المجد لك.