نكتاريوس أسقف المدن الخمس، الصانع العجائب ومؤسس…



11-09
 
 نكتاريوس أسقف المدن الخمس، الصانع العجائب ومؤسس دير الثالوث القدّوس في جزيرة آيينا اليونانية

ولادنه:

(+١٩٢٠):
 وُلد أنسطاسيوس (القدّيس نكتاريوس) سنة ١٨٤٦م في "سيليفْريا – SILIVRIA"  في منطقة "ثْراكي - "THRAKI في بلاد اليونان، من أبويين تقيَّين: "ذيموس" و"فاسيليكي".

حبّه للصلاة:
تلقَّى انسطاسيوس دروسه الأولى في بلدة سيليفْريا إلاّ أنَّه لم يستطع متابعة علومه بسبب فقر عائلته. 
أبدى أنسطاسيوس منذ طفولته ميلاً شديداً إلى أن يُصبح لاهوتيّاً يكرِزُ بالإنجيل. فكان يردّد مع جدَّته المزمور الخمسين "ارحمني يا الله بعظيم رحمتك…"، وعندما يصلان إلى "فأُعلِّم الأثمة طرُقَك، والكفرةُ إليك يرجعون" كان يضع يده على فم جدَّته قائلاً لها: "جدتي دعيني أقوله أنا، أنا سوف أُعلّم الناس". 

وفي إحدى المرات عندما ناهز السابعة من عمره، اشترى مجموعةً من الأوراق وأخذ يجمعها ككتاب، فسألته أمُّه: "ماذا تفعل يا بنيّ؟!" فأجابها: "سأصنع من هذه الأوراق كتاباً أكتبُ عليه كلام الّله".
وكم من المرّات كان يجمع الأولاد الذين من عمره بعد عودته من الكنيسة، ويتلو عليهم العِظة التي سمعها. 
أمَّا أهله وأقرباؤه فعندما كانوا يرون حماسه هذا كانوا يقولون: "تُرى ماذا سيصبح هذا الصبي؟!". 

 
ذهابه إلى القسطنطينيّة:

في الرابعة عشرة من عمره، ذهب إلى القسطنطينية بهدف العمل. وهناك بعد جهدٍ جاهد، تمكّن من الحصول على عمل عند أحد أقربائه في معمل للدخّان. إلاّ أن أجره كان قليلاً جدًّا ممّا اضطره لأن يمضي أيّامه جائعاً مَعُوزاً وكانت معاملة صاحب المعمل له سيّئة للغاية. كان يزورُ الكنيسة بشكلٍ متواصل مستمدًّا تعزيته من الصلاة الدائمة.

رسالته إلى الربّ يسوع:
 في أحد الأيام كتب رسالةً على المسيح طالباً منه المعونة جاء فيها ما يلي: 
"يا ربّي يسوع، تسألني لماذا أبكي. ثيابي اهترأت وحذائي تخرَّق، وأنا حافي القدمين، موجوعٌ متضايق. نحن في فصل الشتاء وأنا بردان. البارحة مساءً أعلمت صاحب المحل بحالي فسبَّني وطردني. قال لي أن اكتب رسالةً إلى القرية حتى يبعثوا لي بما أحتاج إليه. ولكنّي، يا ربّي يسوع، منذ أن بدأتُ بالعمل لم أُرسٍلْ لوالدتي قرشاً واحداً...ماذا تريدني أن أعمل الآن؟... كيف أعيش بلا ثياب؟... ثيابي أَرتيها فتعود وتتمزَّق. سامحني على إزعاجي. أسجد لكَ وأمجِّدُك خادمُك أنسطاسيوس" ثم طوى الرسالة ووضعها في ظرفٍ وكتب العنوان التالي: "إلى ربّنا يسوع المسيح في السماوات". ولكن بعناية الله، التقاه تاجرٌ مجاور وعرض عليه أن يسلّم الرسائل إلى البريد. فرأى هذا العنوان الغريب وفتح الرسالة وقرأها وكان لها وقعٌ كبيرٌ في نفسه. فأعطى أنسطاسيوس مبلغاً لا بأس به من المال، فأخذه الفتى شاكراً واشترى ثياباً وحذاءً وبعض الحاجيّات الأخرى. إلاّ أنّ صاحب العمل عندما رأى ثيابه جديدة طرده متّهماً إيّاه بالسرقة، فتبنّاه ذلك التاجر الرؤوف، وأعطاه عملاً. 
 
إنزال صليبه لتهدئة العاصفة:
كان أنسطاسيوس يتوقُ دوماً لزيارة الأماكن المقدّسة، وهكذا في أحد الأيام عزم على السفر بحراً إلى المدينة المقدّسة (أورشليم)، ولكنّ المركب في مسيرته الطويلة واجه عاصفةً هائلةً وأشرف على الغرق، فصرخ القبطان بالمسافرين كي يلجأوا إلى قوارب النجاة. إلاّ أن أنسطاسيوس صرخ إلى ربّه قائلاً: "كيف تسمح بهذا؟! لا أريد أن أموت، أريد أن أحيا كي أكرز بك". وأخرج صليبه، الذي قد أعطته إيّاه جدّته، من عنقه وربطه بزناره ودلاّه إلى البحر ثلاث مرات، ويا للعجب! إذا بالعاصفة تهدأ، فأخذ الجميع يمجّدون الله وعمّ الفرح. ولكنّ أنسطاسيوس أضاع صليبه، إذ أفلت من يده في مياه البحر.

وسرعان ما سُمِعَ طَرقٌ في أسفل المركب، فأرسل القبطان بحّارة كي يروا الأمر، لكنهم لم يجدوا شيئاً. وعند وصولهم إلى الميناء عادوا فسمعوا الطَّرق ذاته. فأرسل القبطان قارباً كي يبحث خارج المركب عن السبب. وعندما توجّهوا إلى مكان الصوت فإذا بهم يجدون صليباً صغيرًا، وكان صليب أنسطاسيوس! ومنذ ذلك الحين لبس أنسطاسيوس صليبه الصغير هذا طول حياته. إنّه الصليب الذي يظهر في إحدى صوره مع اسكوفّتِهِ الرهبانية. 

في القدس يتعلّم ويُعلّم:
في القدس، توظّف في مدرسة القبر المقدّس وأخذ يعلّم الصفوف الابتدائية فيما يتلقّى الدروس في الصفوف العليا، وكان يعكف على مطالعة كتب الآباء وخاصة حياة القدّيسين. هذه الفترة من حياته كانت ذهبيّة، لأنه عمل في حقل الكنيسة. لم يفتٍنْه العالم في شيء، بل المصلوب والكنيسة الأرثوذكسيّة المصلوبة التي أغنت وتُغني الكثيرين. 

في خيوس كمدرّس:
في العشرين من عمره ذهب إلى جزيرة "خيوس"، في بلاد اليونان، وسكن في قرية "ليثي" حيث عمل فيها كمدرّس لمدّة سبع سنوات. ترسّخت في نفسه خلال هذه السنوات بديهيّتان:

أولاً: أن كلّ إنسان مولودٌ خاطئاً، شاءَ أم أبى، وأنّ هذا العالم موضع السقطات، وعلينا أن نصارع الخطيئة فيه. 
ثانيًا: أنّ الربّ يسوع المسيح، كلمة الله، الأقنوم الثاني من الثالوث القدُّوس، المصلوب والناهض من بين الأموات، الذي لمسه توما، هو إيّاه المخلّص الأوحد. 

هاتان البديهيّتان كانتا بالنسبة إليه بدء الطريق إلى السماء ونهايته. كان همّه الأول والأكبر أن يضيء شعلة الأرثوذكسية في النفوس من جديد.
 
ترهّبه:

كان معروفًا ببساطته وصدقه وأمانته. ففي المدرسة كان يسهر على تلامذته معتنيًا بهم. وعندما يعود إلى بيته كان يغلق على نفسه عاكفاً على الصلاة والصوم. ولكنّ شوقه إلى لحياة الملائكية وإلى تقديم ذاته كليًّا للرّبّ كان يزداد يومًا بعد يوم، فذهب إلى دير جزيرة "خيوس" وترهّب فيه. وبقي في الدّير ثلاث سنوات مُجاهداً وعاكفاً على الصلاة ومطالعة الكتب المقدّسة والآباء، فأحبّه جميع الرهبان وقدّسوا جهاده.


شمّاسًا فكاهنًا فمتروبوليتًا: 
وفي عام  ١٨٧٧م  سامه ميتروبوليت الجزيرة شمّاسًا باسم "نكتاريوس" في كنيسة القدّيس مينا العجائبي.
 

أراد أحد سكّان الجزيرة، ويدعى "خورميس"، أن يقوم بمساعدةٍ لبلده، وذلك بأن يدرّس أحد شبّانها على نفقته. وعندما سمع بالشمّاس الجديد أرسله بإذن الميتروبوليت إلى أثينا حيث أنهى دراسته الثانوية، وبعد ذلك أرسله خورميس إلى بطريرك الإسكندريّة "صوفروينوس" مع رسالةٍ يطلب فيها مساعدة البطريرك للشمّاس نكتاريوس. فقبله البطريرك بفرح، وعندما تحقّق من فضيلته أرسله من جديد إلى أثينا كي يدرس اللاهوت. فنال إجازة اللاهوت عام ١٨٨٥م.

 وبعد عودته إلى الإسكندريّة سامه البطريرك كاهناً عام ١٨٨٦م، وعيّنه واعظًا وأمين سرّ البطريركية، فضلاً عن كونه الوكيل البطريركيّ في القاهرة، فأخذ القدّيس نكتاريوس يقوم بعمله بكلّ جدّ ونشاط. مضت على هذه الحالة خمس سنوات، سيِمَ بعدها ميتروبوليتًا على "المدن الخمس - PENDAPOLEOS"، وقد أحبّه الجميع وتعلّقوا به لتواضعه وبساطته وسعة قلبه. فقد فهم الكهنوت لا تسلّطًا وزعامة بل خدمة وتواضعًا وبذلاً للذات. 

وكان يصلّي إلى الربّ قائلاً: "ربّي، لماذا رفعتني إلى هذه المرتبة العالية؟ لقد طلبت منك أن أصبح لاهوتيًّا فقط وليس أسقفًا. منذ صباي كنت أطلب إليك أن تؤهّلني لأصير واحداً من عمالك البسطاء، أمّا أنت يا ربّ فإنك تختبرني الآن بأمور كثيرة، ولكنّي أخضع لمشيئتك وأطلب إليك أن تجعل فيّ التواضع دائمًا، وأن تغرس فيّ بذور الفضائل الأخرى، وأن تؤهّلني لأن أعيش بقيّة زمان حياتي حسب قول الرسول بولس الإلهيّ: لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيّ”.
 
الحرب ضدّه ونفيه:
ولكن يا للأسف، وشى به بعض الحسّاد إلى البطريرك على أنّه يسعى لأن يصير بطريركاً، فصدّق البطريرك الوشاية الكاذبة وغضب على نكتاريوس وطرده خارج مصر. أما القدّيس فقد قبل ما قد حلّ به بشكرٍ ودون أيّ تذمّر واعتبره امتحاناً إلهياً. 

وهكذا وجد نكتاريوس نفسه مقطوعاً، مُبعَداً، مشوّه السمعة. ومنذ تلك اللحظة أضحت حياته سلسلة من المحن كأنها لا تنتهي، فلا يكاد يمرّ نهارٌ من دون شقاء ومرارة وهموم وفخاخ تُنصَب له هنا وهناك، ومؤامرات صغيرة وكبيرة تُحاك ضدّه كما لو كان إنساناً خطيراً.

والحقّ أنه هكذا كان خطيراً ولكن، بوداعته وصبره. لقد لاحقه عدّوه في كل مكانٍ لاسيّما من خلال ذوي النفوس الصغيرة، وعدوّه كان إبليس، ولإبليس في العالم ألف عميل وعميل.

نكناريوس في أثينا معدمًا:

أتى نكتاريوس إلى أثينا عام ١٨٨٩م ولم يكن يملك شيئاً، لا مال ولا ممتلكات. ولحقت به الوشاية الكاذبة إلى أثينا، ووصِم اسم نكتاريوس بالعار والزنى وفساد الأخلاق، فبقي سنة كاملة عاطلاً عن العمل، عابرا أيامه باتكاله على الله ومعونته الإلهيّة.
 
تعيّين نكتاريوس في أثينا وانكشاف الحقيقة:

وأخيراً تمّ تعيينه في "خلكيذة" - منطقة قرب أثينا - فشكر الربّ واستلم مهمّته وأخذ يعمل كعادته بكلّ جدّ ونشاط بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهها من خصومه والواشين به.

بقي في مركزه هذا مدّة سنتين ونصف، إلى أن انكشف الأمر على حقيقته عندما أرسل سكان الإسكندريّة رسالة إلى أثينا يوضحون فيها محبّتهم وتعلّقهم بالقدّيس وأنّ ما لحق به لم يكن سوى وشايات كاذبة.

نكتاريوس مديرًا للمدرسة الإكليريكيّة:
أبًا للجميع ومنارة.
وهكذا تغيّرت الأمور وانقلبت لصالح القدّيس، فنقلوه إلى "لاكونية" ومن ثمّ إلى "افثيوتيذة"، ومن هناك تمّ تعيينه مديراً للمدرسة الإكليريكيّة، مدرسة "روزاريو"، في أثينا، وذلك في عام ١٨٩٤م. أمّا هو فكان كعادته يبذل كلّ طاقاته وجهوده كي يخدم بالطريقة الفضلى، فكان يعطي نفسه من دون حسبان في سبيل الآخرين وخلاص نفوسهم. 

كان مديرًا وأبًا في الوقت ذاته ممّا جعل الطلاًب يتعلًقون به ويرجعون إليه في أمورهم. لقد بلغت مدرسة "روزاريو" أوجّها في أيام القدّيس نكتاريوس. بقي القدّيس مديراً للمدرسة ١٤ سنة، وإنّ نشاطه خلال هذه المدّة لم ينحصر في المدرسة، بل كان يعِظ في كنائس عديدة في أثينا، كما كان يلجأ إليه العديد من الشبان والشابات للاسترشاد والاعتراف. وأعطى من وقته أيضاً للكتابة، فترك لنا مؤلّفات مفيدة جدًّا.


نكتاريوس عامل تنظيفات: 

كان القدّيس نكتاريوس مثالاً لمشاركة الآخرين في آلامهم وأفراحهم. فعندما كان مديرًا للمدرسة مرض الموظّف المسؤول عن مهامّ التنظيفات، وأوصاه الأطبّاء ألاّ يعمل لفترة شهرين.

ولكن كيف سيعيش هذا المسكين؟ إذ لم تكن موجودة بعد التأمينات الاجتماعية لمساعدة الموظّفين، فكان من الطبيعي أن يعيّنوا شخصاً آخر مكانه. ولكنّ القدّيس قال له: "انتبه أنت إلى صحّتك وكلّ الأمور سوف تتدبر".

وهكذا ففي كلّ صباح، وقبل أن يستيقظ التلاميذ، كان ينهض القدّيس وينظّف الساحات والممرّات والمراحيض، دون أن يعيّن شخصًا آخر مكان ذاك، وكان يدفع الأجر المعتاد للموظّف المريض. وحدث في أحد الأيّام أن أتى هذا الموظّف إلى المدرسة بدافع الفضول، وإذ به يشاهد القدّيس ماسكًا بالمكنسة ينظّف الساحات، فبُهت ووقف متأمّلاً وقال له: "أأنت يا سيّدنا تنظّف عنّي؟ لن أقبل هذا أبداً". فقال له القدّيس: "أنت يا ولدي اذهب إلى بيتك وانتبه، إلى صحّتك ولا تهتمّ الآن بنظافة المدرسة، لأنّنا إن عينّا آخر سواك فسوف نخسرك، وهكذا عليّ أن أساعدك في شدّتك هذه، لكن انتبه ألاّ تقول لأحد عمّا شاهدت”.


حبّه للرهبنة وتأسيسه ديرًا:

أحبّ القدّيس نكتاريوس حياة الرهبنة كثيراً، فكان يؤمن أنّها العظة الأكبر للناس، وهكذا كان مسعاه أن يؤسّس ديراً ما، وقد تحقّق حلمه، إذ أنّ ثمانية بنات من أولاده الروحيّين أردن الترهّب، فأتى بهنّ إلى دير الثالوث الأقدس، الكائن في جزيرة صغيرة بالقرب من أثينا تدعى "آيينا - AIGINA". حيث أرسل في البداية ثلاثة منهن، ومن ثمّ رويداً رويداً التحقت الأُخريات بالدير. كان يتردّد عليهن من المدرسة التي يديرها من أثينا كي يرعاهن ويدبّر أمورهن الروحيّة والماديّة.

مواجهنه مع الشيطان:

ويروى أنّه عندما أتى القدّيس نكتاريوس إلى "آيينا" للمرة الأولى حدث ما يلي:
كان يوجد في الجزيرة شابٌّ يدعى اسبيرو وفيه شيطان، هذا كثيراً ما كان يتنبأ بأمور، أحياناً صحيحة وأحياناً كاذبة. وفي ذلك اليوم الذي أتى به القدّيس إلى الجزيرة، أغلق اسبيرو عينيه وأخذ يصرخ ويقول: "إنّ نكتاريوس آتٍ، هذا سوف يخلّص الجزيرة. القدّيس يأتي، هذا سوف يخلّصنا، فاستعدّوا لاستقباله". وكان الناس يسمعونه دون أن يفهموا شيئاً، فنادوا الكاهن ميخائيل من الكنيسة، الذي أتى وسمع بنفسه ما يقوله اسبيرو، فاحتار في الأمر وما كان منه إلاّ أن ذهب مباشرةً إلى الميناء، وإذا بسفينة تصل في ذلك الوقت وكان عليها القدّيس نكتاريوس، فاستقبله الأب ميخائيل وقال له: "سيّدنا، هناك شابٌ قريبٌ من ههنا قال إنّك سوف تأتي وهو يتنبأ عنك دون أن نفهم شيئاً" فقال القدّيس: "أين هو هذا الشاب؟" فأخذه إلى الموضع الذي كان فيه اسبيرو، فلمّا رآه القدّيس رسم بعصاه إشارة الصليب على فمه، وإذا بالشاب يقوم ويقبّل يد القدّيس. ومنذ ذلك الحين أصبح صحيحاً ودخل المدرسة وأنهى دروسه ثمّ تزوج وأنجب أولاداً. وهذه الحادثة جعلت أهل الجزيرة جميعاً يحترمون القدّيس. 

صلاته لهطول المطر:

وحدث أيضاً أنّه انحبس المطر وجفّت المياه وعطشت الأرض في الجزيرة، فأتى محافظ الجزيرة مع بعض المسؤولين إلى القدّيس متوسّلين إليه أن يتضرّع إلى الله كي يهطل المطر. فقال لهم القدّيس: "سيتم هذا، لكن ليس الآن، بل في الأحد المقبل، أمّا أنتم فصوموا وكونوا مستعدّين للقدّاس الإلهي والمناولة". وبالفعل، فقد أتى القدّيس في الأحد المقبل وأقام الذبيحة الإلهيّة وتضرّع إلى الربّ، ومنذ الظهيرة ملأت الغيوم السّماء وأخذ المطر بالنزول، واستمرّ مدّة شهرين حتى فاضت الينابيع، فأخذ أهل الجزيرة يتوسّلون إلى القدّيس كي يصلّي إلى الله ليتوقّف المطر، فقال لهم القدّيس: "يا أولادي، إن الله يعرف أكثر منّا ماذا يفعل" وبعد وقت قليل توقّف المطر!.. 
 
استقالته وسكنه في الدير:
في أوّل  مجيئه إلى الجزيرة وتأسيسه الدير، ساعده كثيراً الأب ثيودوسيوس بابا كونسطنطينو رئيس دير رقاد السيدة - في آيينا – فأمّن الدّعم المادّيّ للأخوات، وكان يؤمّن لهم كاهنًا للقيام بالخدمة الإلهيّة، إلى الوقت الذي أتى فيه القدّيس وسكن نهائياً في الدير. استقال القدّيس من عمله في المدرسة لأسباب صحيّة، وأقام في الدير الذي أسّسه حيث أمضى بقيّة عمره. 

عاش القدّيس نكتاريوس في الدير راهباً حقيقياً، وكان شديداً ودقيقاً في كلّ الأمور، وديعاً متواضعاً، يشعر مع الآخرين ويتعاطف وإيّاهم، فلم يسمعه أحدٌ في الدير يصرخ أو يشتم، بل كان يبارك دومًا. 

تواضعه الكبير:
كان أيضاً كاهن الدير وكان يقوم بجميع الخدمات من الاهتمام بالحقل وجلب المياه إلى الدير...الخ. وكثيراً ما كان يساعد العمّال. وإنّ الأب فيلوثيوس زيرفاكوس يذكر أنّه ذهب مرّة إلى الدير، كي يرى القدّيس، وقبل أن يصل إلى البوّابة، شاهد راهبًا يعمل خارج الدير، وكانت الساعة تناهز الثانية عشرة ظهرًا في شهر آب، فصرخ إليه قائلاً: "أيّها الأب أريد أن أرى سيّدنا المطران" فقال له الراهب: "ادخل إلى الدير وهناك سوف تراه"، ويقول الأب فيلوثيوس: "لقد دخلت الدير وانتظرت، وإذا بي أرى الراهب الذي كان يعمل في الحقل آتياً. لقد دخل إلى الغرفة وغيّر ملابسه وأتى إلّي. كان هو المطران".
 
ظهور القدّيس مينا  المتواصل له:
أحبّ القدّيس نكتاريوس كثيراً القدّيس مينا، ولا ننسى أنّه شُرطِن شمّاسًا في كنيسة القدّيس مينا في جزيرة "خيوس"، وكان يَظهر له القدّيس مينا بشكل متواصل. ففي مساء أحد الأيام ذهبت الراهبات إلى غرفته لتُعلّمه أنّ المائدة جاهزة، ولكنّها رأته جالساً مع جنديّ، فعادت أدراجها دون أن تقول له شيئا، لأنه كان قد أوصى بألاّ يزعجه أحدٌ عندما يكون جالساً مع شخص آخر. إلاّ أنّ الراهبات أرسلْنها من جديد لتعلًمه أنّ المائدة جاهزة، فذهبت ورأت الغريب يغادر الدير فسألت القدّيس: "آه يا سيّدنا من كان هذا الجندي؟" فقال لها: "أشاهدته؟" ووضع يده على فمها مشيرًا ألاّ تقول لأحد ما رأته. وقال لها: "إنّه القدّيس مينا”.

عجيبة فيض المياه:

وحدث أنّهم عندما باشروا بناء الدير، كانوا يأخذون المياه من نبعٍ لأحد جيرانهم، ولكنّ الماء كان شحيحًا فامتنع صاحب النبع عن مدّهم بالمياه. فلجأ القدّيس إلى الصلاة، وكانت النتيجة أن فاض النبع بشكل ملحوظ ممّا جعل صاحب النبع لا يكتفي بإعطاء الدير ماءً منه بل وهب نبعه للدير. وهكذا كان القدّيس باتّكاله على الربّ يعبر كلّ الصعوبات التي تواجهه. 

مؤّفاته ومواهبه:
ا
هتم القدّيس نكتاريوس بالكتابة أيضاً، فكان يُمضي الليالي ساهراً، مصلّيًا مواظباً على المطالعة والكتابة. وترك لنا عددًا كبيرًامن المؤلّفات المفيدة جدًّا. كان يملك موهبة معرفة المستقبل، فكان يحذّر الكثيرين من أمور ستحدث معهم ويساعدهم على خلاص نفوسهم.

عندما أنهى الأب فيلوثيوس زرفاكُس الخدمة العسكريّة أراد الذهاب إلى جبل آثوس كي يترهّب هناك، ولكنّ القدّيس نصحه بأن يذهب إلى دير "لونغوفارذة"  Longovarda في "باروس - PAROS"، إلاّ أنّ! الأب فيلوثيوس أبدى تحفظَّا تجاه كلام القدّيس الذي قال له: "إن شئت اذهب إلى الجبل، لكنّك ستنتهي إلى هذا الدير ، وفيه ستقضي حياتك". وبالفعل قرّر الأب الذهاب إلى الجبل مع أحد أصدقائه للترهّب هناك، وعندما وصلا إلى تسالونيك - وكان الأتراك ما زالوا فيها - أراد السجود للقدّيس ديمتريوس في كنيسته، ولكنّ الأتراك قبضوا عليهما وقادوهما إلى المحكمة، حيث حكم عليهما نائب الباشا بالسجن، فقيّدوهما وساقوهما إلى السجن. وفي طريقهم إليه صادفوا الباشا الذي أطلقهما، فتذكّر آنئذٍ الأب فيلوثيوس قول القدّيس له: "اذهب، ولكنّك في أحد الأيام سوف تعود" فعاد أدراجه وذهب إلى دير"لونغوفارذة" وأمضى بقيّة حياته فيه.


وحدث أيضاً أنّ ابنة عم إحدى الراهبات حضرت لزيارة الدير لعدة أيام ثمّ عادت إلى بيتها، وبعد فترة تزوّجت. فأخبرت الراهبات القدّيس بأن (فلانة) قد تزوّجت. فقال لهنّ: "هذه سوف تصبح راهبة" فقلن له: "كيف ستصبح راهبة وها نحن نقول لك إنّها تزوجّت؟" فأجابهن: "ستصبح راهبة، إنّي أراها أمامي لابسة الجبّة" وفعلاً، بعد عدّة سنواتٍ توفي زوجها، فترهّبت وأصبحت رئيسة دير القدّيس مينا في الجزيرة نفسها.
 
القدّيس نكتاريوس رجل صلاة وصانع عجائب:
عرف الجميع القدّيس نكتاريوس رجل صلاة. فكان يشفي بصلاته المرضى ويُخرج الشياطين من نفوس الكثيرين. وبالرغم من هذا كلّه فقد واجه صعوبات كثيرة ووشايات كاذبة، هكذا شاء له الله أن تكون حياته جهاداً مستمراً مع شدائد وضيقات.


اتّهمات ضدّه:
اتّهمه بعضهم بالكبرياء والفرّيسيّة، وأن كلّ ما يقوم به ليس إلاّ تكبّرًا، وأنّه إنسان كاذب مراءٍ. كما اتّهمه بعضهم الآخر بفساد الأخلاق، حتى بلغ بهم الأمر أن يتّهموه بالزنى وأنّه ينجب أولاداً ويرميهم في البئر. 

وحدث مرة أنّ امرأة تدعى " كيرو" كان لها ابنة في السادسة عشر من عمرها، وهذه الأمّ لم تكن طبيعيّة، وقد حاولت عدة مرات أن تُميت ابنتها. فهربت الابنة المسكينة أخيراً ولجأت إلى الدير، فقبلها القدّيس وحماها. ولكنّ الأم حنقت على تصرّف القدّيس وأخذت تشيّع عنه أنّه رجل زانٍ، وذهبت إلى المحكمة في "بيرية - PIREA" (ميناء أثينا) وقالت أنّ نكتاريوس الذي يدّعي نفسه أنّه راهب أخذ ابنتي إلى ديره، مع العلم أنه رجل معدوم الأخلاق... وأخذت تبكي طالبة أن يعيد لها ابنتها. 
فأخذ النائب العام جنديّين وتوجّه إلى جزيرة "آيينا" وقصد الدير، وعندما وصله دخل دون استئذان، وتوجّه نحو الشيخ القدّيس الذي بلغ آنذاك من العمر السبعين سنة، قائلاً له: "أيّها الراهب المرائي، أين تضع الأولاد الذين تُنجبهم؟ أهذا ما تفعله هنا؟" ثم أمسك به من جبّته وقال له ساخرًا: "سوف أنتف لك لحيتك شعرةً شعرة". أمّا القدّيس فبقي صامتاً ولم يجبه بشيء سوى أنّه رفع عينيه إلى السماء وقال: "الله يرى ويعرف كلّ شيء". وبعد مضي أسبوع أصابت المدّعي العامّ آلام قاسية جدًّا، أمّا يده التي شدّ بها القدّيس فقد أُصيبت بغرغرينا قوية جداً أخذت تتفشّى بسرعة كبيرة في جسمه، ممّا أذهل الأطباء الذين عجزوا عن علاجه ومعرفة سبب ذلك. وبعد شهرين أتت زوجته إلى الدير طالبة مقابلة القدّيس، وعندما دخلت إليه ركعت أمامه متوسلة إليه أن يغفر لزوجها المهدّد بالموت، فأجابها القدّيس: "لم يكن في قلبي أيّ حقد تجاه زوجك لا بل وقد سامحته من اللحظة الأولى، كما أنّي سوف أتضرّع الآن إلى الربّ من أجله". ولكن إرادة الرب كانت أن توفي ذاك الرجل بعد أيام قليلة جزاء عمّا فعله.

معرفته برقاده:

عاش القدّيس نكتاريوس في ديره مدة اثنتي عشرة سنة، وفي عام ١٩٢٠م، أُصيب بآلام وأوجاع شديدة فذهب إلى دير للسيّدة العذراء- في الجزيرة ذاتها - كي يتضرّع إلى أيقونة والدة الإله من أجله. وقضى ساعات طويلة أمام الأيقونة راكعاً يصلّي، ثمّ عاد إلى ديره، وأثناء عودته قال للرّاهبة نكتاريّة التي كانت ترافقه: "هذه آخر مرّة أبارك فيها الدّير، لأنّي راحل" فسألته الراهبة: "إلى أين ستذهب يا أبي؟" "إلى السماوات" "ونحن ماذا سيحلّ بنا بدونك؟" "سوف يأتي كثيرون ليهتمّوا بكنّ، لا تقلقي". ومنذ ذلك الوقت أصبحت آلامه قويّة جداً، فنقلته الراهبات إلى المستشفى في أثينا. وهناك سأل الممرّض الراهبة: "أراهب هو؟" أجابته: "إنه مطران!" قال لها: "دَعي المزاح الآن، ما اسمه ومن هو؟" أجابته: "إنه مطران المدن الخمس. إنّه نكتاريوس!" فقال منذهلاً: "مطران هو، ولا يحمل ذهباً على صدره! ولا يملك درهمًا!" . فحقًّا لم يملك القدّيس نكتاريوس دراهم البتّة، بل عاش كأحد الفقراء المتواضعين!". وبقي في المستشفى مدة شهرين تقريباً معانياً الآلام والأوجاع القاسية، ثمّ غادر هذه الدنيا في التاسع من تشرين الثاني عام ١٩٢٠م، بعد أن تناول الأسرار الإلهيّة. 

عجيبته لحظة رقاده:
وفيما كان القدّيس يلفظ أنفاسه الأخيرة، ألبسته الراهبات ثياباً جديدة. وعندما ألبسوه القميص، وضعوا قميصه القديم على السرير المجاور، الذي صدف أن كان عليه شخصٌ أعرج، فإذا به يصحّ ويقوم ماشياً ممجّداً الله. 

أمّا الغرفة فقد امتلأت برائحة زكيّة فاضت من جسد القدّيس. وفي اليوم التالي نقلوه إلى ديره في "آيينا" حيث رافقه جمع غفير من الكهنة والناس، واستقبله أهل الجزيرة بالبكاء بينما كانت الأجراس تدقّ، ووضعوه في كنيسة الدير. وعند المساء أُقيمت صلاة الجناز، وأثناءها عرق كتف القدّيس وكثيرون أخذوا من عرقه بواسطة مناديلهم بركة منه. ثمّ دفنوه في قبره في الدير. 

قصة قبر القدّيس نكتاريوس:

قبل أن يذهب القدّيس إلى دير الثالوث الأقدس كانت تقيم فيه راهبة بسيطة. أرادت هذه الراهبة في إحدى المرّات أن تزرع شجرة حور، فأخذت الشتلة وذهبت إلى المكان الذي تريد زرعها فيه، فسمعت صوتاً يقول لها: "لا تزرعيها هنا، ابتعدي قليلاً اتركي مكاناً لقبرٍ في هذا المكان" فلم تردّ على الصوت. فعادت وسمعت الصوت ثانيةً، إلاّ أنها لم تصغ أيضاً. عندئذٍ شعرت بيد خفيّة تدفعها إلى الوراء...وهكذا زرعتها في المكان الذي حدّده لها الصوت، وهذا كان قبر القدّيس.


الراهبات كنّ قد وضعن القدّيس في قبر آخر، إذ لم يكن قد أُعدّ قبره بعد. وبعد خمسة أشهر إذ أردن نقله إلى قبره المعدّ له فكّرت الرئيسة قائلة في نفسها، كيف سيفتحن القبر إذ لا بدّ وأن جسده قد أنتن. ففي تلك الليلة ظهر القدّيس لإحدى الراهبات وقال لها: "كيف حالك؟ فأجابت الراهبة: "جيّدة بصلواتك". فقال: "اقتربي منّي كي أباركك" وباركها كعادته.

 ثمّ قال لها: "هل تخرج منّي رائحة؟" " لا !" "هل أنت متأكدة أنّه لا تخرج مني رائحة كريهة؟" "نعم يا أبتِ، من يقول عنك أنّك لست نظيفاً؟" "الرئيسة، هي تقول هكذا، انظري إليّ حسناً، ألستُ كاملاً؟" "نعم يا أبتِ". وبالفعل عندما أخرجوه لم يكن جسده قد اعتراه أيّ فسادٍ بل كان يعبق برائحة زكيّة. فأزالت الراهبات عنه التراب ووضعنه في قبره. وقد أتى رئيس أساقفة أثينا وتحقّق من الأمر وأعلن أنّ هذا دليل قداسة الأب نكتاريوس. 
 
إعلان قداسته:

أعلنت البطريركية المسكونيّة قداسته عام ١٩٦١م. وأُقيم زياح ٌ كبيرٌ في "آيينا" حضره جمع من المؤمنين، الذين طافوا شوارع المدينة احتفالاً وطلباً لشفاعة القدّيس. وفي عام ١٩٦٣م، وضعوا بقاياه في آنية فضيّة، وجعلوها في كنيسة الدير كي يسجد لها المؤمنون ويتبرّكوا منها. 

 
عجائب بعد رقاده:
لقد صنع القدّيس نكتاريوس آلاف العجائب بعد رقاده وحتى الآن، وبدون توقّف وبلا حدود، فلم يعجز أمامه مرضٌ أو شدّةٌ من الذين طلبوا منه بإيمان:

- ظهوره بعد رقاده بثلاث سنوات لأحد الحرّاس:
عندما كان القدّيس في آيينا، كان يوجد فيها حارس غير مؤمن ولا مبالٍ. وكان القدّيس يعظه دوماً محاولاً تشجيعه على التوبة والاعتراف والمناولة، إلاّ أن الحارس تجاوزه وأكمل طريقه إلى القهوة، وهناك أثناء الحديث قال للجالسين معه: "التقيت الآن الرئيس، وقد دُهشتُ كيف أنّه ما زال حيّاً حتى هذه الأيام" فسألوه: "أيّ رئيس؟" فقال: "نكتاريوس، رئيس دير الثالوث الأقدس" فقالوا: "ماذا تقول؟ لقد توفّي منذ ثلاث سنوات!" فتعجّب الحارس وأخذ يقصّ عليهم كيف كلّمه. وعلم أنّ القدّيس قد ظهر له من أجل خلاصه، فذهب إلى الدير وتضرّع إلى الربّ وإلى القدّيس كي تُرحم نفسه.

- إخباره أحد الأشخاص بحبل زوجته:

إنّ السيد ديمتريوس باناغوبوس - من أثينا - كان رجلاً متزوجاً منذ ١٦سنة ولم ينجب أولاداً. وإذ سمع بعجائب القدّيس أخذ يصلي ويطلب إليه أن يرحمه. فظهر له القدّيس وقال له: "زوجتك ستحبل وتلد ابناً" وأثناء الولادة قال الطبيب أنّه لا يوجد أمل فالولد سيموت حتماً. أمّا حياة الأم فهي٨٠ % مهدّدة بالخطر. عندئذٍ ذهب ديمتريوس إلى الكنيسة فوجدها مغلقة، فصلّى من الخارج وقبّل الباب، وعاد مؤمناً بأن القدّيس لن يتركه. وفعلاً أنجبت الأم الولد وسمّوه نكتاريوس وعمّدوه في دير القدّيس في آيينا.

- ظهوره لولد وإخباره بأنّه سيشفى من السرطان:
- في عام ١٩٥٢م كان الطفل هرقل مفاكيس وعمره ٦ سنوات يعرُج، وبعد الفحوصات في المشفى تأكّد الطبيب من وجود سرطان قويّ جداً في رجله، وبأنّ ساعات حياته أصبحت معدودة. لكن إحدى قريبات هرقل طلبت من الطبيب أن يكتب له وصفة طبيّة كي تتعزّى أمّه قليلاً، وأخذت الوصفة. ولكن عوضاً أن تذهب إلى الصيدلية لشرائها ذهبت إلى بيت أحد معارفها كي تجلب من عندهم أيقونة القدّيس نكتاريوس. وأثناءها صرخ الولد لأهله: "لا تبكوا، فأنا سوف أُشفى" "كيف تعرف هذا؟!" "لقد قال لي القدّيس نكتاريوس إنّي سوف أشفى" "متى؟ كيف؟!" "لقد أتى وظهر لي بلحيته البيضاء الكبيرة ودغدغ وجهي قائلاً: "قل لجدّتك ووالدتك بألاّ يبكين، فأنا سوف أجعلك معافى”.

وقبل أن تصل عمّته إلى الباب قال لهم ثانية: "عمّتي قد جلبت لي معها القدّيس نكتاريوس" "كيف تعرف هذا يا بنيّ؟!" "لقد قال لي القدّيس ذلك". وبالفعل دخلت عمّته ومعها أيقونة القدّيس نكتاريوس، ورسمت بالأيقونة شكل صليب على الصبي ووضعتها على صدره، فإذا به يقوم ويمشي معافى!
وعندما حضر الطبيب ليتفقّد حالة الصبي، سألهم عنه ظانّاً أنّه قد مات. فأجابه الصبيّ: "أنا هنا، لقد تعافيت". وقام الطبيب بفحوصاته وانذهل من الأمر إذ لم يعد يشكو الصبي من أيّ شيء. 

فتعجّب الجميع ومجّدوا الله وشكروا القدّيس. عُرف القدّيس نكتاريوس العجائبي لكثرة ما قام به من معجزات في حياته وبعد رقاده، فقد أعطاه الربّ هذه الموهبة والقوّة على الشفاء.


لقد ظلّلت النعمة الإلهيّة حياة القداسة والطهارة التي عاشها من جهادٍ، واحتمال للشدائد والصبر عليها، وطول الأناة، والسهر، والصلوات، وبذل الذات من أجل الآخرين.


وها إنّ بقاياهُ ما زالت محفوظة في دير الثالوث الأقدس في آيينا تعزيةً وبركةً لنا.