القدّيسَان قزما وداميانوس الماقتَا الفضّة وأمّهما…



07-01

مقدّمة‭:‬

‮«‬لقد‭ ‬جعل‭ ‬القدّيسان‭ ‬رجاءهما‭ ‬كلّه‭ ‬في‭ ‬السماوات،‭ ‬فكنزا‭ ‬لهما‭ ‬كنزًا‭ ‬لا‭ ‬يُسلب،‭ ‬فإنّهما‭ ‬أخذا‭ ‬مجّانًا‭ ‬فيمنحان‭ ‬الأشفية‭ ‬للمرضى‭ ‬مجّانًا،‭ ‬واتّبعا‭ ‬قول‭ ‬الإنجيل،‭ ‬فلم‭ ‬يقتنيا‭ ‬فضّةً‭ ‬ولا‭ ‬ذهبًا،‭ ‬بل‭ ‬كانا‭ ‬يمنحان‭ ‬إحساناتهما‭ ‬للناس‭ ‬والبهائم‭ ‬حتى‭ ‬يكونا‭ ‬خاضعين‭ ‬للمسيح‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬الأحوال،‭ ‬وهما‭ ‬الآن‭ ‬يتشفّعان‭ ‬بدالة‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬تنشده‭ ‬الكنيسة‭ ‬يوم‭ ‬عيد‭ ‬القدّيسين‭ ‬قزما‭ ‬ودميان،‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬المساء،‭ ‬موجزة‭ ‬سيرتهما‭ ‬في‭ ‬المسيح،‭ ‬ومبيّنة‭ ‬الركائز‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬أساسهما‭ ‬نسألهما‭ ‬الشفاعة‭ ‬لدى‭ ‬الربّ‭ ‬الإله‭.‬

لا‭ ‬نعرف‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬هذين‭ ‬القدّيسين‭ ‬رغم‭ ‬الإكرام‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬لقياه‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬معًا،‭ ‬ورغم‭ ‬كثرة‭ ‬الكنائس‭ ‬التي‭ ‬شيّدت‭ ‬على‭ ‬اسميهما‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العصور‭.‬

سيرتهما‭:‬
637c6406f972e482e31286a10573d227

كان‭ ‬موطنهما‭ ‬ناحية‭ ‬من‭ ‬نواحي‭ ‬أفسس‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬الصغرى‭. ‬وثمّ‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬أنّهما‭ ‬ولدا‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭. ‬وكان‭ ‬أبوهما‭ ‬وثنيًّا‭ ‬وأمّهما‭ ‬مسيحيّة‭ ‬اسمها‭ ‬ثيودوتي‭. ‬وقد‭ ‬توفي‭ ‬الأب‭ ‬وولداه‭ ‬بعد‭ ‬صغيرين،‭ ‬فرّبتهما‭ ‬والدتهما‭ ‬على‭ ‬المسيحيّة‭ ‬وأحسنت،‭ ‬حتى‭ ‬التصق‭ ‬اسمها‭ ‬باسمي‭ ‬ولديها‭ ‬كأمٍّ‭ ‬بارّة‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭.‬

تلقّن‭ ‬قزما‭ ‬ودميان‭ ‬جملةً‭ ‬من‭ ‬معارف‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان‭ ‬وعلومهما،‭ ‬فبرعا‭ ‬فيها‭. ‬لكن‭ ‬تنشئة‭ ‬أمّهما‭ ‬لهما‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الفضيلة،‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬أن‭ ‬جعلتهما‭ ‬يفطنان‭ ‬إلى‭ ‬بطلان‭ ‬الفلسفة‭ ‬وحكمة‭ ‬هذا‭ ‬الدهر‭ ‬إزاء‭ ‬حكمة‭ ‬المسيح،‭ ‬فاستصغرا‭ ‬المعارف‭ ‬العالمية‭ ‬النظرية،‭ ‬ورغبا‭ ‬في‭ ‬التملؤ‭ ‬من‭ ‬محبّة‭ ‬المسيح،‭ ‬ولسان‭ ‬حالهما‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الرسول‭ ‬بولس‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬فيليبي‭: ‬‮«‬‭...‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬ربحٍ‭ ‬اعتبرته‭ ‬خسارةً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المسيح،‭ ‬بل‭ ‬إنّي‭ ‬أعتبر‭ ‬كلّ‭ ‬شيءٍ‭ ‬خسارةً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فضل‭ ‬معرفة‭ ‬المسيح‭ ‬يسوع‭ ‬ربّي،‭ ‬فمن‭ ‬أجله‭ ‬تحمّلت‭ ‬خسارة‭ ‬كلّ‭ ‬شيء،‭ ‬وأعتبر‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬نفايةً‭ ‬لكي‭ ‬أربح‭ ‬المسيح،‭ ‬ويكون‭ ‬لي‭ ‬فيه‭ ‬مقام‮»‬‭ (‬8:3-9‭). ‬

وقد‭ ‬أفضى‭ ‬بهما‭ ‬هذا‭ ‬اليقين‭ ‬إلى‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الطبّ‭ ‬بنيّة‭ ‬تسخير‭ ‬العلم‭ ‬للمسيح‭ ‬وخدمة‭ ‬الكلمة‭ ‬والعناية‭ ‬بالمريض.
انكبّا‭ ‬على‭ ‬الدرس‭ ‬والتحصيل‭ ‬حتى‭ ‬برعا،‭ ‬بنعمة‭ ‬الله،‭ ‬أي‭ ‬براعة‭.‬

وبالإيمان‭ ‬ومحبّة‭ ‬المسيح‭ ‬والطب،‭ ‬انفتح‭ ‬لهذين‭ ‬المجاهدين‭ ‬باب‭ ‬عريض‭ ‬على‭ ‬الخدمة‭ ‬وتمجيد‭ ‬الله‭. ‬فكان‭ ‬دأبهما‭ ‬رعاية‭ ‬المرضى‭ ‬بالمجّان‭ ‬عملاً‭ ‬بالقول‭ ‬الإلهي‭: ‬‮«‬مجانًا‭ ‬أخذتم،‭ ‬مجانًا‭ ‬أعطوا‮»‬‭ (‬متى‭ ‬8‭:‬10‭). ‬

وقد‭ ‬سلكا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حرصٍ‭ ‬شديدٍ‭ ‬حتى‭ ‬ليقال‭ ‬أن‭ ‬قزما‭ ‬خاصم‭ ‬أخاه‭ ‬دميان‭ ‬مرّةً‭ ‬خصامًا‭ ‬شديدًا‭ ‬لأنّه‭ ‬تلقّى‭ ‬ثلاث‭ ‬بيضات‭ ‬من‭ ‬امرأةٍ‭ ‬مريضةٍ‭ ‬فأبرأها‭.‬

إلى‭ ‬ذلك‭ ‬سلك‭ ‬الأخوان‭ ‬في‭ ‬العفّةِ‭ ‬والفقر‭ ‬خاضعين‭ ‬للمسيح‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬حال‭. ‬وقد‭ ‬امتدّت‭ ‬عنايتهما‭ ‬بالمرضى‭ ‬إلى‭ ‬البهائم‭ ‬لأنّها‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬الله‭ ‬وتحت‭ ‬الألم‭.‬

واستمر‭ ‬قزما‭ ‬ودميان‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال‭ ‬زمانًا‭ ‬سخّرا‭ ‬خلاله‭ ‬الأعشاب‭ ‬والأدوية‭ ‬وكلّ‭ ‬فكرٍ‭ ‬وجهدٍ‭ ‬محبّة‭ ‬بالقريب،‭ ‬فرضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭ ‬ومنّ‭ ‬عليهما‭ ‬بنعمة‭ ‬الشفاء‭ ‬بكلمة‭ ‬الإيمان‭ ‬واللمس‭ ‬على‭ ‬منوال‭ ‬الرسل‭.‬

من‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬أضحت‭ ‬الصلاة‭ ‬واسم‭ ‬الربّ‭ ‬يسوع‭ ‬وحده‭ ‬الدواء‭ ‬الشافي‭ ‬لكلّ‭ ‬مرضٍ‭ ‬أو‭ ‬عاهةٍ‭ ‬تعرض‭ ‬لهذين‭ ‬القدّيسين‭. ‬فتقاطر‭ ‬عليهما‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬صوبٍ‭ ‬يسألون‭ ‬السلامة‭. ‬وكان‭ ‬كلّ‭ ‬قاصد‭ ‬لهما‭ ‬يحظى‭ ‬بالتعزيّة‭ ‬والبركة‭ ‬والشهادة‭ ‬لاسم‭ ‬الربّ‭ ‬يسوع‭.‬

ثابر‭ ‬هذان‭ ‬الخادمان‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬الله،‭ ‬دونما‭ ‬كلل،‭ ‬طويلاً،‭ ‬وكانا‭ ‬يتجدّدان‭ ‬أبدًا‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬والصبر‭ ‬والاتّضاع‭ ‬والتماس‭ ‬رضى‭ ‬العليّ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رقدا‭ ‬في‭ ‬الربّ‭ ‬ودُفنا‭ ‬في‭ ‬موضعٍ‭ ‬يُعرف‭ ‬بالفرمان.

كما‭ ‬شيّدت‭ ‬فوق‭ ‬ضريحهما‭ ‬كنيسة‭ ‬لم‭ ‬ينقطع‭ ‬سيل‭ ‬المتدفّقين‭ ‬عليها‭ ‬جيلاً‭ ‬بعد‭ ‬جيل،‭ ‬السائلين‭ ‬شفاعة‭ ‬القدّيسين،‭ ‬النائلين‭ ‬برفاتهما‭ ‬بركة‭ ‬الشفاء‭ ‬من‭ ‬عاهات‭ ‬النفس‭ ‬والجسد.

رقادهما‭:‬
أما‭ ‬كيف‭ ‬رقدا‭ ‬فغير‭ ‬معروف‭ ‬تمامًا‭. ‬
ففيما‭ ‬يؤكّد‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬أنّهما‭ ‬استشهدا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الإمبراطورين‭ ‬الرومانيين‭ ‬ذيوكليسيانوس‭ ‬ومكسيميانوس‭ ‬عام‭ ‬303‭ ‬للميلاد،‭ ‬تميل‭ ‬مصادر‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأنّهما‭ ‬رقدا‭ ‬بسلام‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬لذلك‭ ‬تاريخًا‭ ‬محدّدًا‭.‬