القدّيس موكيوس الشهيد



05-11

وُلد موكيوس في أمفيبوليس المقدونية في كنف عائلة تنتمي إلى طبقة النبلاء ذات أصل رومي. سيم كاهناً فأبدى غيرة متّقدة في الكرازة بالإنجيل وحثّ مواطنيه على نبذ عبادة الأوثان. وشى الوثنيّون به في العام 295 م أو ربما في العام 303 م، زمن الإمبراطور الروماني ذيوكلسيانوس. تلقّى القنصل لاوديكويوس الذي كان قد وصل منذ 11-05 بعض الوقت إلى المدينة للاشتراك في احتفالات الإله ديونيسيوس، أقول تلقّى إخباريتهم باهتمام وأرسل فقبض على رجل الله. وقف موكيوس أمام المحكمة جندياً للمسيح، مشعّاً، كلّه ثقة بالله، فأجاب القاضي بثبات قلب. أبدى أنه ليست هناك حياة سوى الحياة في المسيح، أو قل المسيح نفسه. لذا تراه يعمل جاهداً من أجل انتشال بقية الناس من الظلمات ليأتي بهم إلى نور الحقيقة.
أثارت جسارة قدّيس الله حفيظة لاوديكيوس فأمر بتمديده على منصّة التعذيب وضربه بالسياط، فمزّق الجلادون لحمانه. ولكن بدا كأن موكيوس يستمدد، من معين غير منظور، قوّة جديدة بإزاء ما ينزلونه به. كذلك تضاعفت جسارته واعترف بإيمانه من جديد.
أمر القنصل بإشعال نار تلظّت ألسنتها وتعالت ظاناً بذلك أن يحرّك فيه الجزع. فبان كأنه أذعن واستيق إلى هيكل ديونيسيوس. ولكن، ما إن دخل وتدرّع بعلامة الصليب ودعا باسم الرب يسوع، الكليّ القدرة، حتى أُطيح بالصنم الأصمّ فسقط أرضاً وتحطّم.
للحال أُلقي موكيوس في أتون متّقد فاستبان بلا عطب وسط ألسنة اللهب. كان برفقة ثلاثة أشخاص، أحدهم كان وجهه أكثر لمعاناً من الشمس. وإن النار اتّجهت إلى خارج الأتون والتهمت لاوديكيوس وتسعة من كهنة الإله ديونيسيوس.
أٌلقي موكيوس في السجن بأمر الأمير تلاسيوس. ومضى وقت قبل أن يصل خَلَف لاوديكيوس إلى أمفيبوليس. اسم القنصل الجديد، على ما قيل، كان مكسيمينوس. هذا لما استعلم عما جرى استقدم موكيوس وحاول إخضاعه عنوة فلم يخضع، بل أعلن، بالفم الملآن، انتصار المسيح على الأوثان. قال إنه يفضّل ألف مرّة أن يموت من أن يجحد إلهه. قيّد إلى عجلتين، فما إن دارتا حتى تمزّق لحمانه وانسكب دمه على الأرض سكيباً فاستجار بإلهه. فإذا بالعجلتين تتفكّكان ويستبين الشهيد مدمى ولكن سليماً.
بعد ذلك بثلاثة أيام أُلقي موكيوس إلى الوحوش. هذه دنت منه كأنها مروضة وأخذت تلحس جراحاته. أثار المشهد عجب الجموع فصاحوا مطالبين بإطلاق سراح جندي المسيح. أذعن مكسيمينوس للإرادة الشعبية وأرسل موكيوس إلى هيراقليا التراقية. ثم بعد حجز دام ثمانية أيّام أمر فيليبيسيوس الحاكم بنقله إلى بيزنطية.
وقف موكيوس أمام المحكمة المحلية في بيزنطية التي كانت يومذاك مدينة صغيرة قليلة الأهمية. هناك تلقّى الحكم عليه بالموت فشكر الله. سأل الصفح عن هذا الشعب. وأن يأتي إلى معرفة الحقّ. عندما حَسَم السيف هامته سُمع صوت سماوي يحيّي دخول هذا المجاهد الصنديد مصاف القدّيسين.
هذا وقد ورد أن أساقفة واروا جسده التراب على مقربة من المدينة. هناك شُيِّدت، فيما بعد، كنيسة كبيرة على اسم القدّيس موكيوس أضحت، في وقت من الأوقات، إحدى أبرز كنائس القسطنطينية، كما أُلحق بها دير عامر.
تجدر الإشارة إلى أن مناسبة ذكرى القدّيس موكيوس اليوم تلتقي وعيد قديم جرت العادة أن يُقام، فيما مضى، وهو عيد تدشين مدينة القسطنطينية. فقد ذُكر أن قسطنطين الكبير بعدما أحاط المدينة بالأسوار، جرى تدشينها في 11 أيار سنة 330 م. وقد جرت مسيرة ضخمة، إثر ذلك، شملت الإمبراطور والبطريرك والإكليروس والشعب. فلما بلغوا الميدان جعلوا على رأس عمود من الرخام السُمّاقي تمثال الإمبراطور. وقد جعلوا على رأس التمثال المسامير التي سُمّر بها الرب يسوع على الصليب، وعند قدميه السلال الاثنتي عشرة التي اعتُبرت، في التقليد، أنها إيّاها المستعملة في عجيبة تكثير الخبز. مذ ذاك جرت العادة أن يُحتفى بهذا العيد، في مثل هذا اليوم من كل عام، بمسيرة تبدأ من الميدان وتسير إلى كنيسة الحكمة المقدّسة.
والدة الإله التي جُعلت المدينة بحمايتها نجّت المدينة مرّات عديدة من الأخطار المحدقة بها. يُذكر، بخاصة، في هذا الشأن، كيف أن إيقونتها ردّت في العام 626 م الآفار والفرس بصورة عجائبية. إلى تلك الفترة ينتمي قانون المديح لوالدة الإله الذي دخل، مذ ذاك، في صلب الخدمة الكنسية وصار يرتّل في الجمعة من الأسبوع الخامس من الصوم الكبير إلى اليوم. وإذا ما كانت القسطنطينية قد سقطت أخيراً، بسماح من الله، في يد محمد الثاني الفاتح العثماني، فلم يكن ذلك ليمحو من أذهان المؤمنين، جيلاً بعد جيل، أن القسطنطينية الأرضية كان لا بدّ لها أن تسقط في وقت من الأوقات لأنه ليست لنا ههنا مدينة باقية بل نطلب الآتية. أما القسطنطينية السماوية، أو قل أورشليم العلوية فهي إيّاها قِبلة المؤمنين بالرب يسوع إلى أن يأتي ثانية في مجده. يومذاك يستوطن أحبّة الله المدينة السماوية إلى الأبد ولا يأخذها أحد منهم.