كلمة البطريرك يوحنا العاشر في تنصيب المطران أفرام…



2021-12-10
كلمة البطريرك يوحنا العاشر
في تنصيب المطران أفرام معلولي،
كنيسة مار الياس، حلب، 10 كانون الأول 2021
 
أيها الأحبة،
 
أردت أن أكون معكم في حلب في تنصيب أخ عزيز، أي في تسليمه مهام رعاية أبرشيتنا في حلب. ومن المدينة الجريحة لاختطاف راعيها، أصارحكم، أحبتي وأقول؛ يعز علي ويصعب أن أضع على محراثها باسم آباء المجمع الأنطاكي المقدس، يعز علي ويصعب أن أضع راعياً بعد المطران بولس يازجي الذي لم نتبين مصيره إلى الساعة. إلا أن قساوة التاريخ لا ترحم ولم ترحمنا كمسيحيين. ورغم ذلك، إن قساوة التاريخ لن تقسّي فينا القلب الذي كتبنا على لوحيه أمانة شهادتنا للمسيح يسوع وكتبها ويكتبها بولس، الأخ والراعي، بحياته التي يقدمها قرباناً على مذبح حب المسيح، وخطها ويخطها العزيز المطران أفرام، كما في دمشق ههنا في حلب، محبةً واحتضاناً كانتا في السلف وتستمران في الخلف.
 
"اقبل أيها الأخ هذه العصا ... وتوكَّأْ عليها وتقوَّ بها روحياً لتتمكن من أن تشق أمواج البحر المتلاطمة حول الكنيسة المقدسة وتقودَ شعبك الجديد سالماً من كل عيبٍ وشائبةٍ ... تشجع أيها الأخُ وتقوَّ واعلم أنك مزمعٌ أن تعطي جواباً عن الرعية أمام إلهنا ورئيسِ رعاتنا يسوع المسيح". هذه هي العصا التي سُلّمتها أيها المطران العزيز أفرام. هي عصا وداعة ومحبة ولمّ شمل. هي شعبٌ تتكئ عليه وتتقوى به كما يتقوى تماماً هو بك. هي عصا حكمة ورويّة تستمدها من الإنجيل الذي كان مفتوحاً على رأسك يوم رسامتك الأسقفية والأجدر به والمفروض، وهو كذلك على رغم ضعفاتنا البشرية، أن يبقى مفتوحاً على رؤوسنا جميعاً وإياك نحن إخوتك في الأسقفية الواحدة والكهنوت الواحد في المسيح يسوع. "لتتمكن أن تشق أمواج البحر المتلاطمة حول الكنيسة المقدسة" وما أكثرها، ما أكثرها هذه الأمواج! فمنذ ألفي عام وأنطاكية المحبة لسيدها المسيح يسوع تشق أمواج البحر المتلاطمة حول كنيسة سيدها وتكتب له عربون وفائها أمانةً وأصالةً وحيوية تقليد. هذه هي العصا التي سُلمتها اليوم. هي عصا خدمة ومسؤولية. هي "الجواب الحسن" لدى منبر المسيح المرهوب، لدى منبر إلهنا ورئيس رعاتنا يسوع المسيح المزمع أن يسألك ويسألنا عنها في يوم الدينونة.DSC_2446
 
أقول كل هذا وفي القلب حلب وأبناؤها من كل الأطياف. أقول هذا وترتسم أمامي صورة رعاة الأبرشية منذ خمسينيات القرن الماضي إلى يومنا، والذين عرفتهم بشكل من الأشكال.
 
تحضر اليوم ذكرى المثلث الرحمة المطران الياس معوض ابن جورة أرصون-جبل لبنان مطران حلب وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق لاحقاً وبطريرك العرب لقباً ناله من خلال مواقفه الكنسية والوطنية التي فاح عبيرها إلى أيامنا. تحضر اليوم ذكرى المثلث الرحمة المطران الياس يوسف ابن بلدة السودا التي تجمع بين انتمائها إدارياً لطرطوس وانتمائها كنسياً لأبرشية اللاذقية. تحضر ذكراه بصوته العذب المحفور إلى الآن بين حنايا المريمية والذي سعى أَن تكون كنيسة مار الياس هذه التي نصلي فيها الآن. تحضر اليوم وهي حاضرةٌ أبداً صورة الأخ الحبيب بولس ابن اللاذقية الذي تولى هذه الأبرشية والذي يقاسي إلى الآن مع أخيه يوحنا إبراهيم مرارة الخطف الآثم، الخطف الذي يبعث فينا جميعاً مرارة الغضب البشري أمام ملفٍّ يتعاجز الجميع أمامه وأمام همجيةٍ تريد أن تجعل منا كمسيحيين وقوداً وسلعاً في سوق الأقليات والأكثريات الذي ننبذه.
 
وأما سيادة الراعي الجديد ابن جديدة عرطوز الدمشقية فإن شهادتي به لمجروحةٌ مذ عرفته في دير مار جرجس الحميراء إلى يومنا هذا.
 
من هنا من كنيسة مار الياس، أحييكم يا أبناء الشهباء. وأطل إطلالة المحبة على الرعية العزيزة التي حاولتُ ما استطعت أن أكون إلى جانبها في غياب سيدنا بولس، حتى جسدياً، وذلك منذ ميلاد العام 2014 في زيارتي الأولى لها، يوم كانت المدينة تحت الحصار، وإلى يومنا هذا. واسمحوا لي ههنا أن أتوجه بشيءٍ من التقدير والعرفان إلى كل من ساهم في تخفيف المعاناة وإلى من سهر وتعب في غياب الراعي، عنيت بهم، الأرشمندريت موسى الخصي، المنتخب أسقفاً معاوناً لنا، والآباء الكهنة والأخوات الراهبات وكل الهيئات التي سهرت وتعبت وقوفاً إلى جانب كل من في ضيق.
 
رسالتنا اليوم الثبات في الأرض رغم كل شيء. نحن لا نلوم مهاجراً من أبنائنا ومن سواهم. لكننا نضع رسالتنا ومبدأنا أمام الجميع. نحن أبناء هذه الأرض. نحن أبناء هذه الأرض التي عبرت مخاض التاريخ وسلمتنا إيمان أجدادنا منقوشاً في الحجر كما في البشر. نحن أبناء هذه الأرض التي عانقت أقدام الرسل والقديسين. نحن أبناء كنيسة أنطاكية التي أخرجت كنيسة الجماعة الأولى من رحم أورشليم الأرضية إلى المتوسط فالعالم أجمع. نحن أبناء كنيسة أنطاكية، أبناء تلك الجبال والمغاور والمدن الحاضرات. نحن صخرٌ من هذا الشرق الذي تكسرت عليه زوابع التاريخ وأبى إلا أن ينقل حلاوة المسيح.
 
لا أنسى أبداً أن أتوجه اليوم من ههنا بطيب السلام إلى أهلنا في الاسكندرون وفي أنطاكية والقرى المجاورة في كل اللواء، قلبِ كنيسة أنطاكية ومهدها التاريخي الأول وقلبها النابض بالإيمان. أنقل إليهم جميعاً سلام دمشق والكنيسة المريمية فيها. أنقل إليهم محبتكم جميعاً وتأكيدنا أنهم في قلبنا دوماً وفي صلواتنا وأنهم كانوا ويبقون وسيبقون الأمناء الأول على إِرثِ أنطاكية التاريخ، أنطاكية التي جدلت للعالم اسم "مسيحيين" وأرقصته نغماً على شفاه الأجيال.
 
صلاتنا اليوم من أجل سلام سوريا الواحدة الموحدة بكل شبرٍ من أراضيها وصلاتنا من أجل لبنان الذي يقاسي كما تقاسي سوريا الضيقة الاقتصادية. صلاتنا من أجل سلام هذا الشرق ومن أجل خير وسلام العالم أجمع.
وعلى فاتحة الميلاد المجيد. أبعث إلى الجميع أطيب تحية ميلادية. فليكن ميلاد رب السلام ميلاداً مجيداً على أبناء هذا الشرق والعالم. ميلاداً مجيداً فيه شيء من سلام طفل المغارة ومن تهليل الملائكة التي رنمت "المجد لله في العلاء وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة".
 
ألا بارككم الرب جميعاً وأخذ بيمينك أيها السيد الكريم وحفظ حلب وأبناءها. حلب التي أطلقنا عليها في العام ٢٠١٤ اسم "حلب الصامدة" والتي نسميها الآن "حلب الناهضة".
كل عام وأنتم بخير.