القدّيس لوكيانوس الشهيد في الكهنة المعلّم الأنطاكي

2015-10-15


‏سيرته‭:‬ القرن الثالث ميلادي

نشأ‭ ‬لوكيانوس‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أنطاكية،‭ ‬والبعض‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬سميصاط‭ ‬السوريّة.‭ ‬تلقّى‭ ‬في‭ ‬شبابه‭ ‬قسطًا‭ ‬وافرًا‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬الدنيويّة.‭ ‬ولمّا‭ ‬مات‭ ‬والداه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬وزّع‭ ‬ما‭ ‬لديه‭ ‬على‭ ‬الفقراء،‭ ‬وارتحل‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬الرها‭ ‬حيث‭ ‬تتلّمذ‭ ‬لمعلّم‭ ‬ذائع‭ ‬الصيت‭ ‬مكاريوس،‭ ‬وقد‭ ‬أضحى‭ ‬لوكيانوس‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬المعلّمين‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬في‭ ‬زمانه‭.‬AgiosLoukianos012

‏يقال‭ ‬عنه‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬من‭ ‬خرجوا‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬النسك‭ ‬في‭ ‬أنطاكية،‭ ‬والقدّيس‭ ‬أثناسيوس‭ ‬الكبير‭ ‬يسميّه‭ ‬‮«‬ناسكًا‭ ‬كبيرًا‮».
ينقل‭ ‬مترجم‭ ‬سيرته‭ ‬عنّه‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬يمارس‭ ‬النسك‭ ‬الرهباني‭ ‬الشديد،‭ ‬فلا‭ ‬يتناول‭ ‬طعامه‭ ‬إلاّ‭ ‬حوالي‭ ‬الساعة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬الظهر‭ ‬ويصوم‭ ‬أحيانًا‭ ‬أسابيع‭ ‬بأكملها‭. ‬طعامه‭ ‬كان‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الخبز‭ ‬اليابس‭ ‬والبقول،‭ ‬ولا‭ ‬يقرّب‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬البرد‭ ‬قارصًا،‭ ‬وقد‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يستغرق‭ ‬في‭ ‬الصلوات‭ ‬الطويلة‭ ‬باكيًّاً‭ ‬خطاياه‭.‬

 

تأسيسه‭ ‬مدرسة‭ ‬أنطاكية‭:‬

في‭ ‬أنطاكية‭ ‬انضم‭ ‬لوكيانوس‭ ‬إلى‭ ‬إكليروس‭ ‬المدينة،‭ ‬وقد‭ ‬أسّس‭ ‬فيها‭ ‬مدرسة‭ ‬أنطاكية‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وهي‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬اتبعت‭ ‬في‭ ‬تعاطيها‭ ‬مع‭ ‬الكتب‭ ‬المقدّسة‭ ‬أسلوب‭ ‬التفسير‭ ‬البياني‭ ‬للنصوص،‭ ‬وتأكّيد‭ ‬معانيها‭ ‬الحرفيّة،‭ ‬في‭ ‬مقابل،‭ ‬الأسلوب‭ ‬التأوّيلي‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬عليه‭ ‬أوريجنوس‭ ‬ومدرسته‭ ‬في‭ ‬الاسكندرية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬عينه.

إلى‭ ‬لوكيانوس‭ ‬يعود‭ ‬فضل‭ ‬التدقيق‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬العبرية‭ ‬المقدّمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬امتدّت‭ ‬إلى‭ ‬البعض،‭ ‬منها‭ ‬أيدي‭ ‬الهراطقة‭ ‬فعبثت‭ ‬بها‭. ‬ويقول‭ ‬القدّيس‭ ‬ايرونيموس‭ ‬أن‭ ‬ترجمة‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدّس‭ ‬من‭ ‬العبرية‭ ‬إلى‭ ‬اليونانية‭ ‬بيد‭ ‬لوكيانوس،‭ ‬كانت‭ ‬عظيمة‭ ‬القيمة‭ ‬ودقيقة‭ ‬وسلسة،‭ ‬وأنّها‭ ‬انتشرت‭ ‬بين‭ ‬القسطنطينية‭ ‬وأنطاكية‭.‬

 

إضطهاد‭ ‬لوكيانوس‭:‬

لاحق‭ ‬جنود‭ ‬الإمبراطور‭ ‬مكسيميانوس‭ ‬القدّيس‭ ‬لوكيانوس،‭ ‬فيما‭ ‬اشتدّت‭ ‬وطأة‭ ‬الاضطهاد‭ ‬على‭ ‬المسيحيين‭ ‬عمومًا،‭ ‬وقد‭ ‬تمكّن‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬التواري‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وشى‭ ‬به‭ ‬كاهن‭ ‬هرطوقي‭ ‬حسود‭.‬

‏قُبض‭ ‬على‭ ‬لوكيانوس‭ ‬وسيق‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬نيقوميذية،‭ ‬العاصمة‭ ‬الشرقية‭ ‬للإمبراطوريّة‭. ‬وقد‭ ‬تمكّن‭ ‬أثناء‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬هداية‭ ‬أربعين‭ ‬من‭ ‬العسكر‭ ‬قضى‭ ‬أكثرهم‭ ‬شهيدًا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الإيمان‭.‬

في‭ ‬نيقوميذية‭ ‬جرى‭ ‬استجواب‭ ‬لوكيانوس‭ ‬وعومل‭ ‬أسوأ‭ ‬معاملة‭. ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬لعب‭ ‬دورًا‭ ‬بارزًا‭  ‬في‭ ‬نيقوميذية،‭ ‬في‭ ‬تشديد‭ ‬المسيحيين‭ ‬وحملهم‭ ‬على‭ ‬التمسّك‭ ‬بإيمانهم‭ ‬بالمسيح،‭ ‬بعدما‭ ‬سلك‭ ‬بعضهم‭ ‬طريق‭ ‬الكفر‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬التهديد‭ ‬إنقاذًا‭ ‬لحياته‭.‬

 

لوكيانوس‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬صدره‭ ‬مذبحًا‭:

Q2 عاده‭ ‬بعض‭ ‬تلاميذه‭ ‬الأنطاكيين‭ ‬في‭ ‬سجنه‭ ‬يوم‭ ‬عيد‭ ‬الظهور‭ ‬الإلهي،‭ ‬عام‭ .م٣١٢ ‬وإذ‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬الذبيحة‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬صدره‭ ‬مذبحًا‭ ‬لها‭.‬

 

عظة‭ ‬القدّيس‭ ‬يوحنا‭ ‬الذهبي‭ ‬الفم‭ ‬في‭ ‬لوكيانوس‭:‬

في‭ ‬عظة‭ ‬ألقاها‭ ‬القدّيس‭ ‬يوحنا‭ ‬الذهبي‭ ‬الفم‭ ‬عن‭ ‬القدّيس‭ ‬لوكيانوس‭ ‬وصف‭ ‬وإكبار‭ ‬لأبرز‭ ‬ما‭ ‬عاناه‭ ‬هذا‭ ‬القدّيس‭ ‬الشهيد‭ ‬في‭ ‬نيقوميذية‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬العظة‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:

‬تُرك‭ ‬القدّيس‭ ‬طويلاً‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحضر‭ ‬له‭ ‬جلادوه‭ ‬أي‭ ‬طعام.‭ ‬ولمّا‭ ‬رأوا‭ ‬أنّه‭ ‬لم‭ ‬يتلاش،‭ ‬وضعوا‭ ‬أمامه‭ ‬لحومًا‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬قدّمت‭ ‬لأوثان‭ ... ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬التجربة‭ ‬كانت‭ ‬قاسية‭ ‬للغاية،‭ ‬فإن‭ ‬القدّيس‭ ‬الشهيد‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬منتصرًا‭ ... ‬وإذ‭ ‬رأى‭ ‬عدو‭ ‬البشر‭ ‬إنّه‭ ‬لم‭ ‬يظفر‭ ‬بلقيان،‭ ‬جرَّه،‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬إلى‭ ‬المحاكمة‭.. ‬وسعى‭ ‬إلى‭ ‬إنهاكه‭ ‬بشتّى‭ ‬الاستجوابات‭ ‬التي‭ ‬أخضعه‭ ‬له

‭‬جواب‭ ‬القدّيس‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬طرحت‭ ‬عليه‭ ‬كان‭ :‬‮«‬أنا‭ ‬مسيحي‮».
‬سألوه‭:‬‮«‬من‭ ‬أين‭ ‬أنت؟‮»،‬‭ ‬فقال‭: ‬‮ «‬أنا‭ ‬مسيحي‮».
«‬ما‭ ‬هي‭ ‬مهنتك؟‮»،‬‭ ‬فأجاب‭ :‬‮«‬أنا ‬مسيحي».
‬‮«‬من‭ ‬هي‭ ‬عائلتك‭ ‬ومن‭ ‬أقرباؤك؟‮»،‬‭ ‬فقال‭ :‬‮«‬أنا‭ ‬مسيحي‮».

‬طبعًا،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تنقص‭ ‬لوكيانوس‭ ‬قوّة‭ ‬البلاغة‭ ، ‬لكنّه‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬جيدًاً‭ ‬إنّه‭ ‬بالإيمان‭ ‬يغلب‭ ‬لا‭ ‬بالبلاغة،‭ ‬وأن‭ ‬الدرب‭ ‬الأكيد‭ ‬ليس‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬المرء‭ ‬لغة‭ ‬الكلام‭ ‬بل‭ ‬لغة‭ ‬المحّبة.
‭‬بهذا‭ ‬الجواب‭:‬‮ «‬أنا‭ ‬مسيحي‮»‬‭ ‬أكمل‭ ‬لوكيانوس‭ ‬سعيه»‬‭.‬

استشهاده‭:‬
وبعدما‭ ‬تضجّر‭ ‬جلادوه‭ ‬من‭ ‬ثباته‭ ‬خنقوه،‭ ‬في‭ ‬حبسه،‭ ‬سرًا،‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬الإمبراطور‭ ‬مكسيميانوس،‭ ‬ثم‭ ‬ألقوا‭ ‬بجثمانه‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬ليمحوا‭ ‬أثره‭.

ولكن‭ ‬تمكّن‭ ‬أحد‭ ‬تلاميذه،‭ ‬غليكاريوس،‭ ‬بعدما‭ ‬تراءى‭ ‬له‭ ‬القدّيس،‭ ‬من‭ ‬التقاط‭ ‬رفاته.‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬استشهاده‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬312‭ ‬‏للميلاد‭.‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة‭ ‬حاول‭ ‬إلصاق‭ ‬تهمة‭ ‬الهرطقة‭ ‬بالقدّيس‭ ‬لوكيانوس‭ ‬باعتباره‭ ‬أباً‭ ‬للآريوسية‭ ‬أو‭ ‬محازبًا‭ ‬لبولس‭ ‬السمياطي‭ ‬المدان‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬أنطاكية‭ ‬عام‭ ‬269‭ ‬‏للميلاد،‭ ‬لكن‭ ‬الثابت‭ ‬أن‭ ‬لوكيانوس‭ ‬رقد‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأرثوذكسية.‭ ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬القد؟ّيس‭ ‬أثناسيوس‭ ‬الإسكندري‭ ‬إنّه‭ ‬قدّيس‭ ‬كبير‭ ‬وشهيد‭ ‬عظيم‭.‬