معنى إسم يسوع

Q2

مدخل
إسم يسوع أو يشوع أو يهوشع، في اللغة العبريّة، يعني "يهوه يخلّص". هو يتألّف من كلمتين: يهوه وتعني الكائن، إذ تأتي من فعل الكينونة "هيه"، و"يشع" الذي هو فعل الخلاص. 

في اللغة اليونانيّة، يسوع هو "إيسوس" Ἰησοῦς، ومن اللفظ اليوناني أتى إسم عيسى بالعربيّة، وIESVS في اللاتينيّة، الذي دام في هذه اللغة، على هذا الشكل، لعدّة قرون، ومنه أتى إسم Jesus بحسب قواعد اللغة اللاتينيّة، وفي كلّ اللغّات المشتقّة منها.

 

سنتعرّف على معنى اسم يسوع بالتفصيل من خلال أيقونة تمثّل الحدث الذي أعلن فيه الله عن اسمه لموسى النبيّ.

- أيقونة النبي موسى في جبل حوريب:

أ‌-  تعريف :
- تعود هذه الأيقونة إلى القرن الثاني-الثالث عشر ميلادي
- كاتبها[1] مجهول.
- هي من مجموعة دير القدّيسة كاترينا[2] – في سيناء (مصر).
- مقاس الأيقونة 92 سم * 64 سم.

ب - ما تمثّله الأيقونة:
Moses_&_Bush_Icon_Sinai_c12th_century-low

- تُمثّل هذه الأيقونة ما هو مكتوبٌ في سفر الخروج: " وأمّا موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان. فساق الغنم الى وراء البرية وجاء الى جبل الله حوريب. وظهر له ملاك الرّب بلهيب نارٍ من وسط عليّقة. فنظر واذ العليّقة تتوقّد بالنار والعليّقة لم تكن تحترق." (خر1:3-2)

- نرى النبيّ موسى في هذه الأيقونة شابًا، وهو يقوم بخلع حذائه بناءً لطلب الله:" فقال (الله) لا تقترب الى ههنا. إخلع حذائك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدّسة " (خر5:3)

- لهذه الحادثة أهمّية كبيرة من الناحية العقائدية، فهي تروي حوارًا يكشف لنا أمرين آساسين: 

 1- صفة المتكلّم مع النبيّ موسى، 2- إسم الله ومعناه الحقيقي والفعلي.

1- الأمر الاوّل: صفة المتكلّم مع النبيّ موسى.

يتابع النص الكتابي ليقول: " فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة. فلمّا رأى الرّب أنّه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال موسى موسى. فقال هانذا." (خر3:3-4)

النص واضح تمام الوضوح، " فلمّا رأى الرّب... ناداه الله".

المقصود بعبارة "ملاك الرّب"، التي وردت في الآيات السابقة، الله نفسه، وهذا أمرٌ شائع في بعض النصوص الكتابية في العهد القديم.

المتكلّم إذًا مع موسى النبيّ هو الله. هذه من عادته، فهو يقوم دائمًا بالخطوّة الأولى، وهو الذي يعلن عن نفسه، ويدعو الناس بأسمائهم: موسى موسى.

كيف لا ؟ وهو خالقنا وبارينا وجابلنا ويهتّم بخلاص كلّ واحد منًا. فهل ينسانا الرّب؟ أليس اسم كلّ واحد منًا منقوشٌ على كف يده كما يقول أشعياء النبيّ " هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسين وأنا لا انساك. هوذا على كفي نقشتك. اسوارك أمامي دائمًا " (إشعياء 15:49-16)

2- الأمر الثاني: اسم الله ومعناه الحقيقي والفعلي.

- "أنا إله أبيك إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب" هذا ما قاله الله لموسى، فأجابه: و "ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم. فقال الله لموسى اهيه الذي اهيه. وقال هكذا تقول لبني اسرائيل اهيه ارسلني اليكم،  وقال الله ايضًا لموسى هكذا تقول لبني اسرائيل يهوه إله ابائكم إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا إسمي إلى الآبد وهذا ذكري إلى دور فدور." (خروج 13:3-15)

لنلاحظ ماذا جرى هنا:

-  قصد الله في بدء الحوار أن يعلن عن نفسه أنّه إله شخّصي .
 
patriarches " إله أبيك وإله أباكم وإله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ". كلّ هذه العبارات لها مدلولات شخصيّة، فالله يقيم معنا علاقة مباشرة، وهذًا أمرٌ جوهري.

* إله أبيك: إنّه الآب السماوي الذي لا ينسى أبنائه، وأيضًا يُعطي لموسى البنوّة الحقيقيّة التي أعطاها لشعبه الذي آمن به وأعطاه وعد الخلاص.

فالآية "الآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتُخرج شعبي بني اسرائيل من مصر (خر15:3)"، تؤكّد إلتزام الله بشعبه. وقد وردت كلمة "شعبي" أكثر من مرّة في النص.
 
وهذا أيضًا معنى عبارة إله آبائكم. فهو يخاطبهم مباشرةً، هو يعرفهم وهم من المفترض أن يعرفوه.

* إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب: الله تكلّم مع هؤلاء البطاركة الثلاثة، وتناقلوا بالتالي وعد الله الخلاصي الذي أعلنه الله لهم لكل الشعوب. فهو الإله الذي رافقهم منذ البدء، وها هو يؤّكد مجددًا أن الوعد سيتحقق وهو لم ينساهم آبدًا. وعد الله صادق.

- بالنسبة لموسى، لم يكن هذا الأمر كافيًا، بل كان يطلب اسمًا حقيقيًا على غرار سائر الآلهة الأخرى، فهناك إله بعل ومردوك وآلهة عديدة أخرى. فكيف له أن يقول لشعبه صفة " إنتمائيّة فقط " وليس اسمًا واضحًا دقيقًا ومحدّدًا؟.

عندئذٍ أجابه الله عن اسمه، فاستعمل فعل الكينونة ليصف نفسه  "أهيه الذي أهيه" و "يهوه ".

ولكن ماذا تعني هاتين العبارتين بالتحديد ؟  لنتعرّف عليهما عن كثبٍ:

أهيه الذي أهيه
:

 تأتي كلمة أهيه من فعل "هيه" أو هيا "hayá" باللغة العبرية من الجذر "lihyot".

ترجمة هذا الفعل هي " أكون " كفعل To Be باللغة الإنكليزيّة، والترجمة المتبّعة للعبارة كلّها هي "أنا أكون الذي أكون".
وإذا لفظنا الفعل باللغة العبرية "hayá" نجده مشابهًا تمامًا لكلمة "حياة " باللغة العربية، ولكن بدل حرف الهاء في بداية الكلمة يأتي حرف الحاء، وهذا مراده اللفظ بين الشعوب، الأمر نفسه ينطبق على تصريف الفعل.

- تصريف فعل الكينونة باللغة العبرية والإنكليزية بصيغة الماضي Verb "hayá" To Be in the Past: 

"hayíti" (I was)  - "hayíta" (you [m.s.] were) - "hayít" (you [f.s.] were)  -"hayá" (he/it was) - "hayetá" (she/it was)  - "hayínu" (we were) - "hayítem" (you [m.p.] were) - "hayíten" (you [f.p.] were) - "hayú" (they were).

 - تصريف فعل الكينونة باللغة العبرية والإنكليزية بصيغة المستقبل Verb "hayá" To Be in the Future:

"ehyé" (I will be) - "tihyé" (you [m.s.] will be) - "tihyí" (you [f.s.] will be) - "yihyé" (he/it will be) - "tihyé" (she/it will be) - "nihyé" (we willbe) - "tihyú" (you [p.] will be) - "tihyéna" (you [f.p.] will be) - "yihyú" (they will be) - "tihyéna" (they [f.p.] will be).

ملاحظة هامة: صيغة الحاضر لهذا الفعل غير موجودة باللغة العبرية، من هنا الصفة أو الإسم  كما ورد  في النص الكتابي  يحمل صيغة مستمرّة – الماضي والحاضر والمستقبل – بمعنى "الذي كان فيه الحياة" و "الذي فيه الحياة دائمًا"، كما أنّ له صفة المفعّل أيّ "الذي يعطي الحياة".

 للعبارة "أهيه الذي أهيه" ترجمات أخرى مثل " الأزلي الذي لا يزول [3]"  و "الدائم الوجود[4] "

إن تكرار اللفظة، في اللغّات الساميّة له أهميّته الكبرى. هنا يدل على الوجود في معرض الصفة لأن  الكلمة  "الذي"  من الآية  "أهيه الذي أهيه" تقتضي ذكر الصفة المتّصلة بها، بما أنّها إسم ناقص يحتاج إلى صلة بمعنى «الذي» و«التي» ، فجُعل الإسم الأوّل وهو الموصوف " أهيه" أي "أكون" ، والإسم الثاني الذي وُصف به  "أهيه" أيّ " أكون" هو "هو" بذاته، فُيصبح الموصوف الصفة بعينها.

إذًا جواب الله لموسى هو إعلان  للبشريّة جمعاء "إنّه الكائن"، و "كينونته غير مصنوعة من خالق آخر، فهو كائن بطبيعته"،  "إنّه هو" كان وكائن ويكون، ليس له نهاية أو بداية".

moise-brousailleوكلّ كائن آخر غير الله كينونته مخلوقة، من هنا نجد الآباء القدّيسين في الكنيسة يصفون الله بلغّة ἀπόφασις اللاهوت التنزيهي، أيّ الذي لا يمكن وصفه، ولا يمكن  تحديده، وكلّ تعبير عنه من قبلنا يبقى ناقصًا وغير مكتملًا، فالله هو فوق الكلمات وفوق الوصف مهما حاول الإنسان واجتهد.

يهوه:
هذه الكلمة هي أيضًا مشتقة من الفعل "hayá"، وترجمتها "الكائن"، الكائن من ذاته، هو "هو".

فالإسم "يهوه" أو "يهيه" YHWH, Yahveh, Yehovah, Jehovah, Yeshua, Joshua or Jeshua YAHHWEH  ليس إسمَا جامد كما شرحنا أعلاه، بل مشتق من فعل الكينونة الدائمة والحياة التي لا تموت.


يهوشع - يشوع - يسوع:

من الفعل نفسه أتى أيضًا إسم "يهوشع" الذي أُختصر إلى "يشوع " أو "يسوع" ومعناه "يهوه يخلّص" و "الكائن من ذاته الذي يخلّص"، إذ الحرف "ي"هو تلخيص ل "يهوه" و "يشَع" هو فعل الخلاص،.

 From (1) יה (yah), the name of the Lord, and (2) the verb ישע (yasha'), to save.

الله مخلّصي:

هذه العبارة أو الرّب مخلّصي، هي ترجمة لإسم يسوع.

هذا ما قاله بالتحديد الملاك ليوسف خطيب مريم في العهد الجديد "فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم".(متى 1:21)

 

يزاد على ذلك بعض ما قاله الرّب يسوع عن نفسه، وكان ذلك عثرةً لليهود ولكثيرين:

- "فقلت لكم إنّكم تموتون في خطاياكم. لأنّكم إن لم تؤمنوا اني أنا هو تموتون في خطاياكم. فقالوا له من أنت. فقال لهم يسوع أنا من البدء ما أكلّمكم أيضًا به.  (يوحنا 24:8-25)".

- "فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون اني أنا هو. (يوحنا 28:8)".

- "أبوكم ابراهيم تهلّل بأن يرى يومي فرأى وفرح. فقال له اليهود ليس لك خمسون سنة بعد افرأيت ابراهيم. قال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن. (يوحنا 56:8-58)"

- "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كلّ عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الارض. نعم آمين. أنا هو الالف والياء البداية والنهاية يقول الرّب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كلّ شيء. (سفر الرؤيا 7:1-8)".

- "كنت في الروح في يوم الرّب [أيّ يوحنا] وسمعت ورائي صوتًا عظيمًا كصوت بوق قائلاَ أنا هو الألف والياء.الأول والأخر. (سفر الرؤيا 10:1-11)".

- "فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت فوضع يده اليمنى علي قائلَا لي لا تخف أنا هو الأول والأخر والحيّ وكنت ميتًا وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت. (سفر الرؤيا 17:1-18)".

- "وسمعت ملاك المياه يقول عادل انت ايها الكائن والذي كان والذي يكون لانك حكمت هكذا. (سفر الرؤيا 5:16)".

- "وها أنا آتي سريعُا وأجرتي معي لأجازي كلّ واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والأخر. (سفر الرؤيا 12:22-13)".

- " أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمورعن الكنائس. أنا أصل وذريّة داود. كوكب الصبح المنير. (سفر الرؤيا 16:22)".

 

- يهوشع في الترجمة السبعينيّة اليونانيّة:

 تِرجم إسم يهوشع في السبعينيّة، الترجمة اليونانيّة للعهد القديم في القرن الثالث قبل الميلاد، إلى "إيسوس" Ἰησοῦς، إذ حل حرف "السيغما" في اليونانيّة مكان حرف "الشين" في العبريّة، كما أضيف حرف "السيغما" أيضًا في آخر الكلمة لتناسب قواعد اللغة اليونانيّة (nominative, accusative...).

 

- من اللغة اليونانيّة إلى اللغة اللاتينيّة:

تم ترجمة إسم Ἰησοῦς ب IESVS في اللغة اللاتينيّة وبقي يُلفظ هكذا لعدّة قرون ليعود ينتقل إلى Jesus بحسب قواعد هذه اللغة (genitive, dative, ablative, and vocative of Jesu, accusative of Jesum, and nominative of Jesus).

 

- إسم يسوع في الكتاب المقدّس والتاريخ:

ورد إسم يسوع بكثرة عند اليهود في العصر المرافق لولادة الرّب يسوع (قبل ولادته وبعدها). كما نجد عند الفيلسوف اليهوديّ فيلون الإسكندريّ (٢٥ق م-٥٠ب م) ربط أساسيّ بين فعل "الخلاص" σωτηρία وإسم يهوشع (إيسوس)، وكان هذا الإسم منتشرًا بوفرة عند يهود الشتات أيضًا.

في المقابل نجد في الكتاب المقدّس ثلاثة أشخاص بإسم يسوع: “يشوع بن سيراخ - يسوع بن نون في العهد القديم، ويسوع براباس في العهد الجديد.

كما ظهر شخص في التاريخ اليهودي، في القرن الأوّل بعد قيامة الرّب، وقبل الحرب اليهوديّة الرومانيّة عام ٦٦م ، يُدعى يسوع بن حنانيا، تكلّم عن تدمير مدينة أورشليم، وقد أسلمه اليهود إلى السلطات الرومانيّة ليحاكم، فجلد وأخلي سبيله، فقاموا اليهود بعد فترة بإلقاء حجر كبير على رأسه وقتلوه.

 

خلاصة:

Q2

فالذي تكلّم مع النبي موسى، مع غيره من البطاركة والانبياء،في العهد القديم، هو الرّب يسوع المسيح ولكن قبل أن يتجسّد، فطبيعة الله هي ثالوثية، ولم يكن لحظة كان فيها أقنوم من دون الآخر.

 

فإذا كان يشوع بن نون، في العهد القديم، عبر بشعبه باتّّجاه أرضِ جغرافيّة، ففي العهد الجديد، الرّب يسوع يعبر فينا أورشليم السماويّة، مدينة السلام الحقيقيّة. (أورشليم هي أورا شالوم أي منطقة السلام)

كذلك العبارة "أهيه أشير أهيه"، باللغة اليونانيّة، هي Εγώ έιμι ΟΩΝء وتُكتب OWN على أيقونات الرّب يسوع، وذلك إشارةً وتذكيرًا وشرحًا وإعلانًا وتاكيدً، بأن من نشاهده في الأيقونة هو الله نفسه، الله الذي كان وكائن وسيكون، الله الذي صار إنسانًا، واتّحد بطبيعته الإلهيّة الكاملة بطبيعتنا الإنسانيّة كاملةً، بلا تشوش أو تغيّير، بلا انقسام ولا انفصال، وأن اختلاف الطبيعتين لا يزول باتحادهما، وأن خواصّ كلّ واحدة منهما تبقى محفوظة ومجتمعة مع الأخرى في شخص واحد وأقنوم واحد.

المجد لتدبيرك الخلاصي يا رّب المجد لك.


[1] نقول نكتب الأيقونة ولا نرسمها.

[2] يضم هذا الدير مجموعة كبيرة من الأيقونات حوالي 2400 أيقونة يعود عمر بعضها إلى القرن السادس ميلادي.

[3]  التوراة في العربية «كتاب التاج»

[4]  " دلالة الحائرين"  – تفسير التلمود بالعربية