القدّيس يوحنا الروسي البار

2015-05-27
١٦٩٠- ١٧٣٠م
 
ولد يوحنا في قرية من قرى روسيا الصغرى ونشأ على التقوى ومحبة الفضيلة. لما بلغ الحادية والعشرين طوّ ع في عسكر القيصر واشترك في الحرب الروسية التركية التي أستمرت من العام 1672 والى العام 1681 م .
 
وقع يوحنا أسيراً في يد التتار وبيع عبداً لأحد قادة الفرسان العثمانيين، المدعو الحاج حسن آغا الذي كان يقطن في بروكوبيو في آسيا الصغرى، وهي مدينة قريبة من قيصرية الكبّادوك.
 
كانت بروكوبيو معسكراً للأسرى المسيحيين المجندين للحرب والمعروفين ب “الانكشارية” فعاش يوحنا في وسط ٍ معادٍ عرضةً، بصورة دائمة، لتعييرات الأتراك وإزعاجهم. كانوا ينادونه “يا كافر” ويحرّضونه على تغيير دينه. كثيرون من أقرانه جحدوا إيمانهم، أما هو فقاوم الى النهاية. كان سيّده يضربه ويهينه ويشدّد عليه ليصير مسلماً، فكان ردّه أنه لا شئ يفصله عن المسيح. قال: “أنت سيّد على جسدي لا على نفسي. إذا تركتني لحرّيتي أتعاطى واجباتي الدينية فإني مطيعك بلا تردّد. بكل سرور تجدني أرتاح الى هذه الزاوية من الإسطبل ويرتحل ذهني الى المسيح الذي حسب مذود بيت لحم سريراً ملوكياً. مستعدّ أنا أن أحتمل بلا تذمر ضربات عصاك كما تحمل الرب يسوع ضربات الجند. أما إذا شئت أن تخضعني بالقوة لتحملني على الكفر بمسيحي فأنا مستعد أن أحتمل أكبر العذابات وأشدّها هولا ولا أنكره”.
 
كلمات يوحنا وغيرته على الإيمان بالرب يسوع المسيح وكذلك مسلكه العفيف المتواضع غيّر، بنعمة الله، قلب الأغا ومشاعره حياله فكف عن ترويعه وأقلع عن محاولة إجباره على التخلي عن إيمانه، لا بل صار يعطف عليه، أو ليس أنه لو أرضت الله طرق إنسان جعل أيضاً اعدئه يسالمونه (أمثال 7:16)
 
27
أوكل الآغا الى يوحنا أمر العناية بأحصنته، فأقام في زاوية معتمه من الأسطبل. لم يشأ أن يقيم في المنزل الخاص به، الذي أفرده الآغا وزوجته له. آثر حقارة الأسطبل نسكاً. وحين كان الآغا يخرج الى القرية على صهوة جواده كان يوحنا يتبعه ماشياً كعبدٍ.
 
على هذا النحو سلك يوحنا في صحراءه التي أصطفاها له الرب الإله. كان حافي القدمين صيف شتاء، يلبس الأسمال، لا يأخذ من الراحة سوى قسط يسير على القش أو الزبل، نظير أيوب الصديق. يعمل في الأسطبل في النهار ويعمل في الصلاة في الليل. وكثيراً ما كان يوجد راكعاً الليل بطوله في ساحة كنبيسة القديس جاورجيوس القريبة. وإلى ذلك كان يقبل تعيير العبيد الأخرين وتهكمهم ولا يتذمر، وكان يخدمهم. لسان حاله كان قول المرنم في المزمور: ” كثيرون قاموا عليّ. كثيرون يقولون لنفسي لا خلاص له بإلهه. وأما انت يا رب فخلاصي ومجدي ورافع رأسي. “.
 
وكما أن الله أغنى لابان ببركة يعقوب في العهد القديم، هكذا بارك الآغا فصار واحداً من أغنياء بروكوبيو. كان يعرف أن غناه المفاجئ هو بفضل سائسه يوحنا وكان يعلن عن ذلك في كل مناسبة.
 
وقرر سيد يوحنا أن يخرج في حج الى مكة. وطال الوقت ولمّا يعد فدعت زوجته أصدقاء زوجها الى مأدبة على شرفه ليفرحوا ويدعوا للآغا بسلامة العودة. وكان القديس يوحنا يخدم المائدة. وكان من ألوان الطعام الرز المفلفل الذي كان الحاج حسن آغا يرغب فيه. فقالت المرأة للقديس: ” يوفان، لو كان سيدك هنا وأكل معنا من هذا الأرز فكم كان سروره سيكون عظيماً!” فلما سمع يوحنا ذلك طلب من سيدته صحناً من الأرز وقال أنه سيرسله الى سيده. ضحك المدعوون لما سمعوا وظنوا أنه يقول ذلك من محبته لمعلمه أو أنه يريد ان ياكل الأرز وحده على انفراد أو ان يعطيه لعائلة فقيرة كما أعتاد أن يفعل بطعامه اليومي. أنّى يكن الأمر فقد قالت السيدة للطباخة أن تعطي يوحنا الصحن الذي يطلب وتركته يفعل به ما يشاء. لم يخطر ببال أحد من الحاضرين ان القديس لما تفوه بكلماته تلك كان يعني ما يقوله.
 
أخذ القديس الصحن ونزل الى الأسطبل وركع على التبن وصلى: ” يا من أرسل حبقوق النبي، قديماً، الى بابل بطعام الى دانيال النبي (دانيال 33:14…) استمع الى صلاتي، أنا أيضا، وأوصل هذا الصحن الى معلمي!” وبعدما تم صلاته عاد الى قاعة الطعام وأعلن أن الصحن وصل الى معلمه. كل الحاضرين أنفجروا ضحكاً وقالوا: لا بد أن يكون قد ألتهم الطعام بنفسه. فلما عاد معلمه، بعد أيام، حاملا معه الصحن وعليه حروف أسمه، قص على أهل بيته أنه وجده وفيه الأرز المفلفل الشهي لمّا عاد الى خيمته عند المساء في اليوم الفلاني. كل أهل البيت أصابهم الدهش وذكروا أسم الله، كما شهدوا ليوحنا.
 
بعد ذلك رغب الآغا في إكرام يوحنا فعرض عليه مسكناً لأئقاً فلم يشأ. زاوية الأسطبل المعتمه كانت لديه خيراً من قصور الملوك.
على هذا النحو سلك يوحنا في التقوى سنين عديدة. فلما تثقّل بالمعاناة والمشاق والأتعاب مرض وشعر بدنو أجله، فرجا أحد معارفه المسيحيين أن يُحضر له كاهناً لكي يناوله ولكن خاف الكاهن ولم يشأ أن يظهر بالقدسات أمام يوحنا لئلا يغيظ الأتراك ويسيئوا إليه وإلى القدسات. لكنه أرسل له تفاحة جوّفها وجعل الجسد والدم في قلبها. على هذا ساهم قدّيسنا القدسات وأسلم روحه الطاهرة بين يدي الله الحيّ يوم 27 أيار من العام 1730 م شرقي الموافق 9 حزيران غربي. كان قد بلغ من العمر الأربعين.
 
في شهر تشرين الأول من السنة 1733م شعّ نور فوق قبر القديس، وقد رآه الكثيرون فأنذهلوا. كذلك تراءى في الحلم للأب زوسيما، كاهن بروكوبيو، وقال له إن جسده لم يطرأ عليه فساد وإن إرادة الله أن ينبش القبر وتُتّخذ بقاياه كبركة ومعونة. وبالفعل نبش القبر وأخرجت البقايا المقدّسة فاستبانت سليمة، كما عبق في المكان طيب زكي، حتى ان المؤمنين جمعوا التراب العطر الذي كان حول الجسد وأحتفظوا به ذخيرة واقية. أما الجسد فوضعوه في تابوت ونقلوه الى كنيسة القديس جاورجيوس في بروكوبيو حيث بقي الى عام 1924م حين حمله المؤمنون معهم الى بلاد اليونان إثر عملية تبادل السكان التي حصلت في تلك السنة. ورفاته موفورة اليوم بركةً للمؤمنين في قرية ” بروكوبيو الجديدة” في جزيرة إيفيا اليونانية، على بعد 49 كم شمالي خالكيذا.
 
هذا وتعزى الى القديس يوحنا عجائب جمة لا زالت تجري الى اليوم. من ذلك أنه في عام 1832م أجتاح عسكر الخزندار أوغلو عثمان باشا بروكوبيو ونهبوا المنازل وجردوا كنيسة القديس جاورجيوس من الآواني الثمينة والتقدمات. ولما عاينوا تابوت القديس يوحنا فتحوه ظانين أن في داخله ذهباً. وإذ لم يجدوا شيئاً سوى الجسد جمعوا خشباً وقشاً وأشعلوا ناراً عظيمةً في ساحة الكنيسة ورموا الجسد في النار. وفيما هم تيلهون حول النار أنتصب القديس فجأةً وسط النار وكأنه عاد حياً، وكانت ألسنة النار تحيط بالجسد ولا تحرقه. فلما رأى العثمانيون ذلك فروا هاربين تاركين ورائهم كل ما سرقوه من الكنيسة. فلما كان اليوم التالي جاء شيوخ وأعادوا الجسد الذي لم يتأثر بالحريق الى التابوت.
 
كذلك يروى عنه أنه في السنة 1862م، بعد القداس الإلهي، في كنيسة القديس باسيليوس، ذكرت أمراة تقيّه أنها حلمت بالقديس يوحنا ” وهو يخرج من تابوته ويذهب الى المدرسة المجاورة ويسند بكلتا يديه سقفها المتداعي”. وأما إن أنهت كلامها حتى سمع دويّ قويّ، هرع معه المصلون الى خارج الكنيسة مذعورين، فإذا بسقف المدرسة المجاورة قد تداعى وسقط على القاعة التي كان التلاميذ مجتمعين فيها. أندفعوا صوب المدرسة وهم يصيحون ويبكون ورفعوا السقف. فإذا بالتلاميذ العشرين سالمون لم يصب أحد منهم بأذى. كيف حدث ذلك؟ قال الأولاد أنهم قبل أن يسقط السقف سمعوا قرقعه مخيفة كانت بمثابة تحذير فأختبأوا تحت المقاعد. فلما سقط السقف استندت كتلته على المقاعد ولم تؤذي احداً.
 
كذلك أخبروا عن حادث معجز، جرى في العام 1874م وله علاقة بأحفاد الآغا الذي أستخدم القديس. فإن يوحنا أنبأ عما حدث لإحدى بنات أحفاد الآغا جرى خلاله خطفها وتجريدها من حلاها وقتلها: من وكيف وأين جرى القتل.
 
ومن أخباره أيضاً أنه أنذر أحد رهبان دير القديس بندلايمون الروسي، في جبل أثوس، في العام 1878م، كان في طريقه الى بروكوبيو ليسجد لبقايا القديس يوحنا، أنذره أن لصوصاً يكمنون له فعاد أدراجه من حيث أتى ونجا.
 
كذلك ورد أن السفينة التي أقلت الكثير من سكان بروكوبيو كلاجئين الى جزيرة إيفيا اليونانية، في السنة 1924م أبت، عند نقطة معينة في البحر أن تتقدم الى الأمام. فقد أخذت تدور حول نفسها، فلما أستطلع القبطان الأمر تبين له أن رفات القديس يوحنا كانت موضوعة في عنبر السفينة. فلما نقلت الى مكان لائق وأضئ أمامها قنديل الزيت ليل نهار تابعت السفينة سيرها بسلام.
 
يذكر أن كنيسة فخمة جرى بنائها بين العامين 1930 – 1951م في قرية بركوبيو الجديدة ضمت رفات قديس الله.
 

في مستشفى القديس سابا للسرطان

في مستشفى القديس سابا الكبير في أثينا، كانت إحدى الأمّهات تجاهد ضد بلاء البشرية الذي هو السرطان. وقد كانت حالتها مستعصية حتى أنّ الأطباء قالوا لأولادها بأن يأخذوا أمهم إلى البيت: “لا تُتعِبوا أنفسكم بعد الآن بأن تأتوا إلى المستشفى لكي تعتنوا بوالدتكم! ما من أمل لها بالعيش. خذوها إلى البيت لأنها إن ماتت هنا فسوف تربكون أنفسكم بمعاملات المستشفى وإجراءاته “. لقد كانت العائلة من كافالا في شمال اليونان.

عند تبلغهم رأي الأطباء، راح أبناؤها الخمسة المجتمعين حول سريرها بالبكاء، فهي والدتهم أصل حياتهم، وللإنسان أم واحدة في هذه الحياة. وفي تلك اللحظة، مرّت أمام باب الغرفة حيث كانوا مجتمعين، امرأة لا يعرفونها فرأت المشهد المأساوي وفهمت ما الذي يحصل. وسألت الأبناء: “أهذه أمكم؟ اصغوا إليّ! لا تتوقفوا عند هذا، فالله وقديسوه فوق العلم والأطباء. كل ما هو بشري قد فعلتموه. لقد ذهبت حديثاً في رحلة حج إلى مقام القديس يوحنا الروسي في بروكوبي في آفيا، حيث يوجَد جسده المقدس كاملاً من دون فساد، وقد أخذت القليل من الزيت من القنديل المعلق فوق رفات القديس لكي أرسم بها علامة الصليب على أحد أقربائي وهو مريض هنا في هذه المستشفى، وسوف أفعل الشيء نفسه لوالدتكم والله سوف يُعيل”. 

إن بعض الكلمات المصحوبة بقليل من العطف والتعزية تستطيع أن تريح كثيراً، وتساعد مَن هو في ألم أو في حزن. حتى الجلوس بصمت بقرب شخص متألم يعطي الشجاعة. وبقطعة من القطن رسمت السيدة الغريبة إشارة الصليب على جبهة المريضة ورحلت. صحيح أن القوة الإلهية تنتقل حتّى من خلال الأشياء والمواد التي تستعمل في العبادة، كالذخائر والماء المقدس والزيت لأن للكنيسة إيمان مطلق بقوة المسيح على الشفاء. إن هذه الطريقة المتواضعة لنقل قوة الله غير المادية وغير المخلوقة إلى أجسادنا وأمراضنا بواسطة رسم علامة الصليب مستخدمين الزيت والماء المبارَكَين قد وضعها آباء الكنيسة “كالشفاء الأعظم والأكثر لياقة بالله” (القديس يوحنا الذهبي الفم). من الممكن فهمها كعمل يعكس إيماناً عميقاً حيث أن شخصاً ما قد يشعر بعدم استحقاقه للطلب من المسيح نفسه أو من أحد قديسيه أن يأتي إلى معونته ولكنه يؤمن أن قوة المسيح الشفائية سوف تنتقل في هذه الطريقة البسيطة. أليس صحيحاً أن المسيح ينتقل من خلال مواد الخبز والخمر البسيطة؟

بالعودة إلى المرأة المريضة، بعد برهة قصيرة بعد أن رسمت السيدة الغير المعروفة إشارة الصليب عليها، فتحت عينيها. وإذ رأت أن أولادها يبكون أومأت برأسها إلى أحدهم لأن يقترب منها. فاقتربت منها ابنتها الكبرى فقالت لها والدتها هامسة: “لماذا تبكين يا ابنتي؟” 

“أمي لقد مرّت أيام عديدة منذ فقدت وعيَك وما عدتِ تكلمت معنا. وأنتِ تسألينني عن سبب بكائي؟”

“نعم يا ابنتي، ولكن منذ برهة قصيرة، أتى جندي شاب وقال لي أن اسمه القديس يوحنا الروسي ورسم إشارة الصليب على جبيني وقال لي أنني سوف أعود إلى الحياة”.

وبالرغم من أن مرضها كان “مستعصياً”، فقد تعافَت الأم وعاشت مع أولادها ورأت أولاد أولادها كما سمح الله وقديسوه.

 

عصا المشي

عندما تدخل كنيسة القديس يوحنا الروسي ترى عصا مشي معلقة أمام مقام القديس كغنيمة الظفر. انها تعود لماريا سياكا، وهي امرأة مسنة من قرية فرنارو بالقرب من آموهوستوس في قبرص.

 فقد كانت لمدة ثماني عشرة سنة محدودبة الظهر ومنحنية على نحو مضاعف حتى أن المسافة بين وجهها والأرض كانت قصيرة.

في 11 آب 1978 أتى بها أقاربها في رحلة حج، مع بعض المئات من القبرصيين، إلى كنيسة القديس يوحنا. حملوها لتجسد لرفات القديس المقدسة. وبينما كان تتطلع إلى الرفات المباركة بكت السيدة المسنّة وتوسّلت إلى القديس يوحنا أن يهبها مساعدة إلهية صغيرة لما تبقّى من حياتها.

وقد رأى القديس يوحنا عظمة روحها وحزنها وأيضاً إيمانها العميق. وفي تلك اللحظة وأمام أعين جميع الحاضرين، بدا وكأن يداً غير منظورة أمسكت بأكتافها بقوة هائلة وبدأت تدريجياً تُفتّح جسدها. لقد استقام عمودها الفقري وعاد إلى شكله الأصلي ووقفت السيدة المسنة مستقيمة.

بكى أصدقاؤها القرويون وقرعت أجراس الكنيسة وقدمت صلوات الشكر من قبل الحضور الذين لم يستطيعوا أن يمسكوا دموعهم. مَن كان له الحظ أن يرى حصول هذه العجيبة يستطيع أن يفهم هذه السطور.

أخيراً سُمع صوت السيدة المسنة قائلة: ماذا أستطيع أن أعطيك يا شابي العزيز ويا قديسي؟ أنا فقيرة. سوف أعطيك عصا المشي التي أملكها التي لن أحتاج إليها لبقية حياتي.
وقد روت الصحف اليومية في نيقوسيا: “إن ماريا سياكا بعد رحلة الحج إلى كنيسة القديس يوحنا الروسي في اليونان، تستطيع الآن أن ترى وجوه أصدقاءها القرويين بعد عشرين سنة تقريباً من انحنائها حيث لم تكن ترى إلا الأرض فقط. بفضل القديس قد شفيت وهي بصحة تامة”.

 

أتكرهني يا قديسي؟ 

مرّت ثماني سنوات على زواج السيد يورغوس ك. وزوجته وقد انتظرا كل هذا الوقت على رجاء أن يحصلا على طفل ولكن من دون جدوى حتى صاروا في حزن عميق وألم. فالحياة تبدو حزينة جداً عندما لا تستطيع المرأة أن تصبح أماً وتبقى من دون أولاد. ولكي يشجع امرأته قال زوجها منحنياً بالقرب منها: “اصبري. إنها مشيئة الله. الحزن والدموع لا يغيّرون شيئاً. الأولاد ليسوا هدف الزواج الوحيد، بل قبل كل شيء أن ننمو روحياً ونصير واحداً مع الله على الأرض وفي الأبدية.”

استمرت الزوجة بالصلاة كل يوم من كل قلبها وروحها. فمنذ حداثتها علّمتها والدتها أن تصلي دائماً وكانت تقول لها: “إن الناس الأقوياء يصلّون، فالصلاة تسلّح البشر بالصبر والاحتمال خلال صعوبات الحياة”.

وقد كانت، منذ صغرها، قد زارت القديس بصحبة عائلتها مرات عديدة. وعديدة هي المرات التي كانت تقول فيها للقديس: “يا قديسي العظيم يوحنا، أنا أرجوك وأتضرع إليك أن تشفع لي إلى الله حتى أكون مستحقة أن أصير أماً. لمدة ثماني سنوات، وأنا أسمع جواب البشر والعلم بأني لا أستطيع أن أكون أماً، وإنني لن أضم طفلاً بين ذراعيّ. إن بيتي فارغ وقلبي مملوء حزناً. سأنتظر يا قديسي جواباً من السماء بأن الله سوف يعطيني طفلاً لكي يمتلئ بيتي وقلبي وحياتي بالفرح والسعادة. سأنتظر يا قديسي العظيم”.

وفي مساء الثالث من كانون الأول 1979 كانت السيدة مكتئبة تبكي محاوِلة أن تجمع ذهنها بصلواتها. ولكنها لم تستطع فقد كانت متعبة، وتشعر بضيق ورغبة بالبكاء والصراخ والتهديد. فتحوّلت إلى مزار الأيقونات، وما أن شاهدت أيقونة القديس يوحنا حتى انفجرت بالبكاء قائلة: “ماذا فعلتُ لك بعد كل ذلك يا قديسي؟ أتكرهني؟ لماذا لم يمنحني الله هذه السعادة؟ أتكرهني يا قديسي؟”

وبعد منتصف الليل، صعد أحد الأشخاص درج بيتهم. فاستيقظ الزوجان وهمس الزوج: “لا تقولي شيئاً. قد يكون أحد الموظفين مخطئاً بالوقت وجاء ليأخذ المفاتيح من المكتب. لا تتكلمي سوف يرحل”.

ثم قُرِع باب غرفتهم وفُتح الباب فظهر وهج في الظلام على صورة القديس يوحنا وصوت: “آرشنرولا، ماذا كنتِ تقولين في صلواتك الليلية؟ إن القديسين لا يكرهون أحداً. ليست مشيئة الله أن لا يكون لكِ طفل. ستمر سنتان أخريان ثم تُعطَين هذه السعادة”. ثم اختفى الضوء واضمحل صوت القديس.

ومرت سنتان وأتى فرح الله بوفرة مع الطفل الأول ثم مع الثاني والثالث. لقد ملأت أصوات الأولاد الحلوة البيت وقلوب والديهم. 

“أولئك صرخوا والرب سمع ومن كل شدائدهم أنقذهم” (المزمور34: 17).