القديسون الشهداء بمفيلس ورفقته‎

2015-03-16

بمفيلس إسم يوناني يعني "المحبوب" أو "المحبوب من الجميع" أو "الودود" أو "الصديق" أو " القريب".

وفي نفس المعنى يأتي إسم وداد للنساء أو بامفيليا.

هو إسم مركّب من كلمتين Πάμ وتعني الجميع أو العموم و φιλος أيّ المحبوب أو الصديق.

وكلمة φιλος تشير أيضًا إلى الشخص المحبوب في العمق بعد خبرة كبيرة، وهو رمز للثقة، الموثوق به، الصديق الحقيقي.

فأصل هذه كلمة φιλ تشير إلى محبّة قريبة جدًا وعاطفة شخصيّة مختبرة.

وقد أتت هذه الكلمة φιλος في الترجمة السبعينيّة في العهد القديم ترجمةً لعبارة علاقة محبّة אֹהֵב وصديق רֵעַ

كذلك أتت هذه الكلمة في العهد الجديد بمعنى أحبّاء وصديق:

أحبّاء:

- لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيّده، لكنّي قد سميتكم أحبّاء لأنّي أعلمتكم بكلّ ما سمعته من أبي (يوحنا15:15)
- في الرسالة الثالثة ليوحنّا الإنجيلي " يُسلّم عليك الأحبّاء" (1يوحنا 14)

صديق وأصدقاء:

- من منكم يكون له صديق ويمضي إليه نصف الليل (لوقا5:11)
- بل متى دعيت فاذهب واتكئ في الموضع الاخير حتى اذا جاء الذي دعاك يقول لك: يا صديق ارتفع الى فوق (لوقا10:14)  

ملاحظة: سُجل ظهور كلمة "φιλος" في العهد الجديد 29 مرّة..

 


القدّيس: ‎‏(+307م)‏

استشهد بمفيلس ورفقته البالغ عددهم أحد عشر في قيصريّة فلسطين في زمن الإمبراطور الروماني مكسيمينوس ديا في حدود العام 307 للميلاد. فأمّا بمفيلس فقيل عنه إنّه بيروتي الأصل، أقام في الإسكندرية تلميذاً لبياريوس الذي خلف أوريجنس المعلّم على رأس مدرسة الإسكندرية للتعليم المسيحي.

7d0862b0f641bb758251fdbaad2c4d0d كان جدّ متحمّس لمعلّمه واعتنى بالفقراء. صبّ اهتمامه على السلوك في الفضيلة والتأمّل في الكتاب المقدّس. ومن الإسكندرية انتقل بمفيلس إلى قيصرية فلسطين حيث أضحى كاهناً واهتمّ بالمدرسة اللاهوتية التي أسّسها أوريجنيس هناك.

بكلام أفسافيوس القيصري، الذي منه استمددنا خبره وخبر رفقته، اشتهر بمفيلس " بكلّ فضيلة جميع أيام حياته، ونَبذ العالم واحتقاره، وإشراك المحتاجين في ممتلكاته، والإزدراء بكلّ الأمجاد الأرضية، والحياة الفلسفية النسكية، وفاق الجميع في عصرنا بصفة خاصة في الإنكباب على الأسفار الإلهية، والجهد الذي لا يكلّ في كلّ ما يُعهد إليه ومساعدته لأقاربه ومعارفه ".

وأضاف أفسافيوس أنه وضع أخبار فضيلته في مؤلّف خاص، من ثلاث كتب.

 

توقيفه ورفقائه:

هذا وقد تمّ توقيف بمفيلس خلال العام 307 للميلاد، إثر موجة الاضطهاد التي اندلعت على المسيحيين بشراسة في تلك الآونة. استيق إلى حضرة حاكم فلسطين، أوربانوس، الذي شاءه أن يقدّم الذبائح للأوثان فأبى. فما كان من الحاكم سوى أن عرّض بمفيلس للتعذيب وألقاه في السجن.


* أما الثاني بعد بمفيلس فهو فالنس. هذا كان شمّاساً من إليا، أي من أورشليم وكان مكرَّماً لشيبته الوقورة، واسع الإطلاع على الأسفار الإلهية أكثر من أي شخص آخر.
بكلام أفسافيوس، "حفظها عن ظهر قلب حتى أنّه لم يكن في حاجة للرجوع إليها إن أراد استعادة أيّ فقرة من الكتاب المقدّس".


* ثالث الشهداء كان بولس من بلدة يمنيا. اشتهر بغيرته وحرارة روحه. وقبل استشهاده عانى الكيّ بالنار.

بقي الثلاثة، بمفيلس وفالنس وبولس، في السجن سنتين. ولمّا حان وقت استشهادهم وصل إخوة من مصر واشتركوا معهم في الآلام. هؤلاء رافقوا معترفين إلى كيليكيا للعمل في مناجمها ثم شرعوا في العودة إلى أوطانهم. فلما بلغوا أبواب قيصرية فلسطين لاحظهم الحرّاس فسألوهم عن هويتهم والمكان الذي قدموا منه.

فقالوا الحق وجاهروا بمسيحيتهم، فقُبض عليهم متلبّسين بما كانت تحسبه السلطات جريمة، وأُلقوا في السجن. في اليوم التالي – هنا يذكر أفسافيوس تاريخاً محدّداً، التاسع عشر من شهر بيريتيوس، أو الرابع عشر قبل شهر مارس بحساب الرومانيين- دُفع المصريون الخمسة إلى القاضي. كذلك مثل بمفيلس ورفيقاه للمحاكمة مجدّداً.
أوّل ما فعله القاضي بالمصريّين الخمسة أن اختبر ثباتهم بكلّ أنواع التعذيب، وباستعمال آلات غريبة متنوّعة. هنا يذكر أفسافيوس أنه بعد إيقاع الأهوال على زعيم الجماعة، سأله القاضي عن شخصيته، من يكون.

فسمع اسم نبي بدلاً من اسمه لأن العادة سرت بين المسيحيين أن يتّخذوا أسماء أخرى بدل أسمائهم الوثنية التي أطلقها عليهم آباؤهم. هؤلاء الخمسة لُقّبوا أنفسهم بالأسماء التالية: إيليا، أرميا، إشعيا، صموئيل، ودانيال.

فلما سمع فرمليانوس القاضي هذه الأسماء، سأل من أين أتوا فقيل له من أورشليم، وكانوا يقصدون أورشليم العليا استناداً لقول بولس الرسول: "وأما أورشليم العليا التي هي أمنا جميعاً فهي حرّة" (غلا26:4) وأيضاً "قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية" (عب22:12).

لم يرق الجواب للقاضي فسأل أين توجد هذه المدينة فقالوا له إنها وطن الأتقياء فقط وتقع في الشرق البعيد في مشرق الشمس. أورشليم، في ذلك الزمان، لم تكن تدعى بهذا الاسم بل كانت تعرف بـ "إليا".

للحال خطر ببال القاضي أن هؤلاء المسيحيين المشبوهين يُعِدّون لبناء مدينة معادية للرومانيين فطلب المزيد من المعلومات عنها. ولكي يُجبر الجماعة على البوح بما اعتبره سرّاً أشبع الخمسة ضرباً وتعذيباً، ولكن على غير طائل. ولما لم يظفر القاضي ببغيته حكم على الخمسة بالموت. على الأثر تحوّل فرمليانوس إلى بمفيلس ورفيقيه فسألهم ما إذا كانوا مستعدين لأن يكونوا أكثر تعاوناً وطاعة من ذي قبل فألفاهم على موقفهم، لا يتزحزحون. ولما تلقى من كلّ واحد الإجابة الرافضة عينها كآخر كلمة له حكم على الثلاثة بالموت.
في تلك الأثناء انبرى من بين الجمع شاب يدعى برفيريوس كان خادماً لبمفيلس تربّى في الحياة الفضلى على يديه. هذا لما سمع بالحكم الصادر بحقّ معلمه ورفيقيه صرخ طالباً دفن أجسادهم. فتحرّك القاضي كما لو أن سهماً سُدّد إليه وأمر بالقبض على الشاب وإخضاعه للتعذيب. وإذ عُرض على برفيريوس أن يذبح للأوثان رفض فأشار القاضي إلى المعذّبين بكشط جلده حتى إلى العظم والأحشاء ففعلوا. وبخلاف ما كان الحاكم يظنّ ثبت برفيريوس طويلاً.

أخيراً أمر فرمليانوس بشيّه على نار خفيفة فأسلم الروح. هكذا وصفه أفسافيوس في لحظاته الأخيرة: " كان المرء يستطيع أن يرى برفيريوس كرجل خرج ظافراً من كل موقعة، جسده مغطّى بالتراب، أما طلعته فباشة رغم كلّ تلك الآلام، متقدِّماَ للموت بشجاعة نادرة وثبات عجيب.
وإذ كان ممتلئاً بالروح القدس، مرتدياً الثوب الفلسفي الذي تغطّى به كعباءة، أومأ إلى أصدقائه برزانة عما أراد، محتفظاً ببشاشة الوجه حتى وهو مشدود إلى الخشبة التي أُعدّت له.

وعندما أُشعلت النيران حوله في شكل دائرة وعلى بعد قليل منه، وصار يستنشق اللهب في فمه، ظلّ مستمراً في صمته ببسالة نادرة منذ تلك اللحظة حتى مات بعد الكلمة الوحيدة التي نطق بها إذ مَسَّه اللهب، صارخاً وطالباً معونة يسوع ابن الله. هكذا كان نضال برفيريوس ".

هذا وقد نَقل رسول اسمه سلوقس نبأ موت برفيريوس إلى بمفيلس.

كان هذا الرسول من المؤمنين بيسوع وكان عسكرياً فاق أقرانه في القامة والقوة البدينة والفخامة والشجاعة، وقد جاء من كبادوكيا. فلأنّه حمل رسالة كهذه أهّله الله لمصير الشهداء. فما أن روى نبأ موت برفيريوس وحيّ أحد الشهداء بقلبه، ألقى الجنود القبض عليه وساقوه إلى الوالي الذي أمر بموته للحال.

وقد ذكر أفسافيوس أن هذا الشهيد برز جداً في نضال الاعتراف بصبره على الجلدات التي تحمّلها. وقال عنه أيضاً أنه بعدما ترك الجيش وضع نصب عينيه الاقتداء بالنسّاك. كما ظهر كأنه أسقف، نصير للأيتام والأرامل اللواتي لا سند لهن، وكذا للمتألمين الذين كانوا يُعانون الفقر والمرض كأنه أبوهم وولي أمرهم.

ولعل لهذا السبب، على حد تعبير أفسافيوس، "اعتُبر خليقاً بدعوة خاصة للاستشهاد وُجَّهت إليه من الله الذي يُسَّر بهذه الأمور أكثر من دخان الذبائح ودمائها". وتبع سلوقس شيخ تقي وقور اسمه ثيوذولس كان مسيحياً وكان أحد خدّام الوالي فرمليانوس نفسه. فلما جاهر بإيمانه غضب سيّده عليه أكثر مما غضب على الذين تقدّموه وحكم عليه بالموت صلباً.
أما الثاني عشر والأخير فهو يوليانوس. هذا شاء الرب الإله أن يصل من سفر في ذلك الوقت بالذات الذي كان الشهداء يتساقطون أمام الجمع الواحد تلو الآخر. فاندفع في الحال ليراهم. ولما رأى أجساد القدّيسين مطروحة على الأرض تقدّم فعانقهم وقبّلهم جميعاً وكله جسارة وفرح. فلما رآه الجند يتصرّف على هذا النحو ألقوا القبض عليه وساقوه إلى فرمليانوس الذي أمر بطرحه في نار بطيئة.

للحال قفز يوليانوس فرحاً، وبصوت عال شكر الرّب الذي حسبه أهلاً لمثل هذه الأمور ونال إكليل الشهادة. هو أيضاً كان كبّادوكياً وكان، في سلوكه، حريصاً، أميناً، مخلصاً، غيوراً في كلّ النواحي، مسبوقاً بالروح القدس نفسه.

تُركت أجساد القدّيسين الطاهرة المباركة طعاماً للوحوش أربعة أيام وأربع ليال. وبفضل عناية الله لم يقترب إليها شيء، لا وحوش ضارية ولا طيور جارحة ولا كلاب. وقد رُفعت سليمة وبعد الاستعدادات المناسبة دُفنت بالطريقة العادية. وقد ذُكر أنها نُقلت في وقت لاحق إلى أنطاكية ومنها إلى القسطنطينية.

أخيراً ذكر أفسافيوس أن غضب السماء حل، في وقت وجيز، على الولاة الفُجَّار، وكذا على الطغاة أنفسهم فرمليانوس نفسه الذي أساء إلى شهداء المسيح قُتل بالسيف بعد أن عانى أقصى قصاص مع الآخرين. يُذكر أن أفسافيوس الذي كتب عن بمفيلس ورفقته كان أحد تلامذته.