آتيكم من أنطاكية حاملاً في قلبي صلاة كلّ طفلٍ…

2014-01-25

كلمة غبطة البطريرك يوحنا العاشر
في صلاة الشكر، كنيسة المقر البطريركي 25 كانون الثاني 2014
الزيارة السلامية إلى موسكو وسائر روسيا

صاحبَ القداسة،
السادةَ المطارنة،
أيها الشعب المحب المسيح،


أوافيكم اليوم في زيارةٍ سلاميةٍ. وسلامي لكم هو بالمسيح المولود في بيت لحم والظاهر للمسكونة نوراً لا يدنى منه.
آتيكم حاملاً سلام المسيح من الأرض التي التحفت منذ فجر المسيحية باسمه الطاهر.
آتيكم من أنطاكية حاملاً في قلبي صلاة كل طفلٍ وامرأة وشيخٍ من أجلكم. 
جئتكم من جوار صيدا والجليل ومن حيث اهتدى بولس واعتمد.
جئتكم من بلاد إغناطيوس المتوشح بالله ومن جوار عمود مار سمعان في حلب ومن فجّ القديسة تقلا في معلولا.
جئتكم سفيراً لمحبة شعب كنيستنا الأنطاكية وناقلاً لإيمانه الحي. آتيكم اليوم، وللأسف، حاملاً في قلبي زفرات الأمهات وأنّات الأطفال وتنهّدات الشيوخ نتيجة ما يحدث في سوريا وفي منطقتنا، وما أسموه "ربيعاً". 

HB-Acceuil

في التاريخ، عاشت مدرسة أنطاكية ما سمي لاهوت التجسد والملموسِ فكراً وعملاً. وإلى الآن يعيش الأنطاكيون في مشرقهم فكراً وبعداً تجسدياً للإيمان. فعندما يذكرون تاريخَ القداسة في أرضهم وعظمةَ الآباء التي أبزغَتهم أنطاكية، لا تأسرُهم متحفيّة التاريخ والتغني بمجد الماضي بقدر ما تكتسحهم ذكرى القداسة والآباء مرسخّةً إياهم في إيمانٍ وطيدٍ وعيشٍ مسيحيٍّ وتجذّرٍ بالأرض وانفتاحٍ على الآخر يجعلهم قطعة من نسيج أرض المشرق يجري في عروقهم نسغُ أرضها وهموم إنسانها.

أنا هنا لأنقل محبة أنطاكية ولأغتني بمحبتِكم ومحبةِ إخوتي في روسيا. أنا بينكم لأستزيد من تقواكم ولأضم صلواتي لصلوات أطفالكم وأطلب من طفل المغارة أن يحفظكم،ياصاحب القداسة، ويمنح روسيا، شعباً وكنيسةً وحكومةً، كل رخاءٍ وازدهارٍ وسلام. أنا في وسطكم لأشارككم همومكم ولأطرح هموم كنيسة أنطاكية وشعبها لأننا كلنا جسد المسيح. عرفنا فيكم أخاً كريماً زارنا وشبَحُ القلاقل مخيمٌ على ديارنا. نصلي إلى الرب الإله أن يديم سلامه في ربوعكم ويعطي السلام لبلادنا ويمنحنا فرصة استقبالكم فيها وهي معافاةٌ لتتعرفوا على شعبنا الطيب الذي يرزح تحت صليب شقاء هذا المشرق وينتظر برجاءٍ وطيدٍ بشائر القيامة بعون سيد القيامة.

في مدننا وفي قرانا، يسمع المرء أصوات أجراسٍ كثيرةٍ أرسلتها روسيا في أواخر القرن التاسع عشر، وعلّقها أجدادنا متحدّين شظف الأيام وقساوتها. وهذه الأجراس لا تزال تقرع إلى اليوم وتسمع صوت إخاءٍ أرثوذكسيٍ مسيحيٍ يَطنّ بتناغمٍ وانسجامٍ مع صوت محبةٍ وانفتاحٍ تجاه كل أطياف مجتمعنا ووطننا. نقولها بقوةٍ وبلا خوفٍ، هذه الأجراس سوف تقرع دوماً وتسمع القاصي والداني أننا باقون في مشرقنا بقوة رجائنا وبصلوات إخوتنا وباتكالنا على البارئ لكل نسمة، تبارك وتمجّد أبد الدهور آمين.