معجزة إشباع الخمسة آلاف

معجزة إشباع الخمسة آلاف هي المعجزة الوحيدة المذكورة في الأناجيل الأربعة لأهميتها.

معجزة إشباع الجموع إشارة إلى الخبز السماوي النازل من فوق لنا، أي الرّبّ يسوع المسيح الذي ”يُجزّأ ويُقسّم حمل الله، الذي يُجزّأ ولا يَنقسم، وُيؤكل منه دائماً ولا ينفد، بل يُقدّس المشتركين به“، كما نقول في القدّاس الإلهي.

 

er

المساء:

تكشف هذه المعجزة أن الرّبّ هو مُشبع نفوسنا وأجسادنا وباريهما، لذا يبدأ النص الإنجيلي بأن يسوع أبصر جمعًا كثيرًا فتحنّن عليهم وشفى مرضاهم، وهذا الأمر مستمر إلى الآبد.

ولما صار المساء أي عندما ستغيب الشمس، ويختفي النور، يُصبح الإنسان بحاجة لمأوى وقوت ودفء وأمان وراحة وطمأنينة، وهذا كلّه لا يمكن أن يحصل خارج الربّ يسوع المسيح ونعمه وعطاياه لنا. ”تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ“ (مت ٢٨:١١)

 

عجز المنطق البشري:

حادثة الشفاء هذه تكشف عجز المنطق البشريّ المحدود أمام عظمة الله المتجسّد، وهذا ما طلبه التلامذة من الرّب ”أصرف الجموع“ لعجزهم من إطعامهم.

في نص إنجيل يوحنا يمتحن الرّبّ فيلبس سائلًا:”من أين نبتاع خبزا ليأكل هؤلاء“(يو٥:٦-٦)، مع العلم أن فيلبس عاين الكثير من الآيات التي صنعها يسوع في الشعب.

وهنا لا بد لنا أن نتذكّر أن فيلبس هذا سمع بأذنيه يسوع يقول لنثنائيل:”هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هذَا!“ (يوحنا٥٠:١). وفعلًا رأى إقامة موتى وشفاءات وعجايب وآيات.

سؤال يسوع لهم هو سؤال لنا أيضًا ليمتحن إيماننا ومدى اتّكالنا عليه.

 

لنلاحظ هذه الكلمات:

أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين ورفع (يسوع) نظره نحو السماء وبارك وكسر وأعطى الأرغفة للتلاميذ والتلاميذ للجموع.

إنّه قدّاس إلهيّ بامتياز. إنّها الكلمات نفسها التي حدثت في العشاء الأخير مع التلاميذ عندما قدّم الرّبّ دمه وجسده ذبيحة (لوقا ١٩:٢٢).

وكلمة بارك باللغة العبرية تشير إلى الشكر أيضًا.

ففعل ευλόγησεν باليونانية ”بارك“ مركّب من ευ أي شيء سار وصالح، وفعل Λογώ أي يقول، ليصبح المعنى الكامل في هذه الآية ”ورفع نظره نحو السماء وبارك ευλόγησεν وكسر“، أي نطق بكلمات سارّة وصالحة و وقام بعمل إلهيّ سار وصالح، وطبعًا كلّ هذا بسماح منه لخلاصنا.

- أكل الجميع وشبعوا ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفّة مملوءة أي ما تكفي المسكونة جمعاء وكلّ الشعوب قاطبةً.

 

المسيح والتلاميذ والشعب:

ونلاحظ أن المسيح يعطى للتلاميذ (الكنيسة بكهنوتها وخدّامها) والتلاميذ يعطون الناس.

الأرغفة الخمسة والسمكتان كانوا مع غلام صغير، مع أصغر القوم. (يوحنا ٩:٦).

ألا يذكّرنا هذا ببيت لحم أصغر مدن إسرائيل التي وُلد فيها المخلّص؟.

من القليل القليل أشبع الجميع، ومن الأجران الستّة في عرس قانا الجليل (يوحنا٢) حوّل الماء إلى أجود خمر وملأ الأجران.

 

الترتيب:

- طلب منهم الرّبّ بأن يجلسوا خمسين خمسين (لوقا ١٤:٩). إلهنا إله نظام وليس إله تشويش (١كو٣٣:١٤). فهذا النظام حتى لا ينسوا أحدًا في التوزيع.

 

الكِسر والقفّة الجديدة:

نهاية لَمَّا شَبِعُوا، قَالَ يَسوع لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ». (يو ١٢:٦). نعم يجب أن لا يضيع شيئًا من نِعم والله وعطاياه.

فالكِسر مع الأرغفة خبز واحد. وكأنّنا نقرأ ما قاله بولس الرسول:”كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح. فإنّنا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لإنّنا جميعنا نشترك في الخبز الواحد“. (١ كو ١٦:١٠-١٧)

وإذا كانت القفّة التي كان اليهودي يحملها معه وتحوي طعامه حتى لا يضطر لشراء طعام من الأمم أو السامريين، فالقفّة أصبحت مملؤة بالعطيّة السماويّة لأن يسوع قال «أنا هو الخبز الذي نزل من السماء» وبه نحيا ونتحرّك ونوجد.

 

صلاة الخبزات الخمس:

نرى هذه الصلاة في صلاة الغروب في الأعياد السيّدية وبعض أعياد القدّيسين، ويُدعى غروب ممتاز.

تُبارك الخبزات الخمس في الليتين، وهي خمسة تيمّنًًا بعجيبة الخبزات الخمس التي اجتراها الرّب يسوع لإشباع الجموع في القفر.