بيان صادر عن أمانة سر المجمع الأنطاكي المقدس،…

2016-07-01

Ar Gr En

بيان صادر عن أمانة سر المجمع الأنطاكي المقدس
البلمند، 27 حزيران 2016

ختاماً للدورة الاستثنائية السابعة التي تم افتتاحها في25 أيار 2016، التأم المجمع الأنطاكي المقدس في جلسة مجمعية بتاريخ 27 حزيران 2016 في البلمند برئاسة صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر وبمشاركة مطارنة الكرسي الأنطاكي المقدس.

توجه آباء المجمع بالمعايدة إلى أبنائهم بمناسبة عيد القديسين بطرس وبولس هامتي الرسل ومؤسسي الكرسي الأنطاكي المقدس، هذا الكرسي الذي فيه دعي التلاميذ مسيحيين أولاً، والذي يشهد أبناؤه للمسيح القائم من بين الأموات ولا سيما في أنطاكية الحبيبة، وسوريا الشهيدة، ولبنان المعذب، والعراق الجريح، وفي بلدان الخليج العربي وفي أبرشيات الانتشار في الأميركيتين وأستراليا وأوروبا. وذكر آباء المجمع أخاهم المطران بولس يازجي، مطران حلب، المخطوف منذ أكثر من ثلاث سنوات وسط تعامي الجميع، والذي يبقى حاضراً أبداً في صلوات وأدعية المؤمنين وشهادة الكنيسة اليومية، هو ورفيقه المطران يوحنا ابراهيم، وجميع المخطوفين. كذلك صلى الآباء من أجل أرواح كل الذين استشهدوا لأنهم دعوا أيضًا مسيحيين، وطلبوا صلواتهم أمام العرش الالهي لكي يثبت الله كنيسته ويعطي أبناءه القوة والحكمة ليشهدوا للمسيح القائم من الموت بإخلاص هنا والآن.

استعرض الآباء موضوع المجمع الأرثوذكسي الكبير، الذي كانت الكنيسة الأرثوذكسية تحضر لانعقاده منذ ما يزيد عن الخمسين سنة. والذي طلبت الكنيسة الأنطاكية تأجيل انعقاده لما فيه تعزيز الوحدة الأرثوذكسية الجامعة ريثما يتم تأمين الإجماع الأرثوذكسي حول المسائل الخلافية في جدول أعماله، وريثما تتوفر الشروط الإكليزيولوجية لمشاركة جميع الكنائس الأرثوذكسية المستقلة فيه.

وحيث إنه لم يتم التجاوب مع الطلب الأنطاكي هذا، ومعه طلب كنائس روسيا وبلغاريا وجورجيا بتأجيل المجمع، وحيث إن المجمع الذي أريد له بالأصل أن يكون مجمعاً ارثوذكسياً عاماً (Panorthodox) قد انعقد بغياب أربع كنائس مستقلة تضم ما يقارب نصف المؤمنين الأرثوذكسيين المنتشرين في العالم،

وحيث إن الدعوة إلى الاجتماع قد أغفلت وجوب ارتكاز المجمعية الأرثوذكسية على الشركة الافخارستية الكاملة بين الكنائس كعنصر مكون وأساس لهذه المجمعية، وذلك بتجاهل إيجاد حل لمسألة التعدي الأورشليمي على حدود الكرسي الأنطاكي قبل انعقاد المجمع وبقرار البطريركية المسكونية إرجاءَ التفاوض إلى ما بعد المجمع،

وحيث إن التصريحات والبيانات الصادرة عن المجتمعين فيه قد ألقت باللائمة عن غير وجه حق على الكنائس الغائبة ونأت عن تحميل أي لوم للجهة التي قامت بإدارة المرحلة التحضيرية له،

ومن بعد تدارس أجواء وتصريحات ومواقف الاجتماع الذي انعقد في جزيرة كريت وما رافقه من مغالطات تم تداولها في الفترة الأخيرة، أقر الآباء الملاحظات التالية:

أولاً: يؤكد الآباء أن العمل الأرثوذكسي المشترك، يقوم على قاعدة مشاركة وإجماع جميع الكنائس الأرثوذكسية المستقلة. ويذكّرون أن هذا المبدأ، ليس موقفًا انطاكيًا مستحدثًا أو مستجدًا، ولكنه قاعدة أرثوذكسية ثابتة أرساها المثلث الرحمات البطريرك المسكوني أثيناغوراس عندما أطلقَ العمل التحضيري للمجمع، واتّبعها من بعده البطريرك ديمتريوس الذي أُقرت أنظمة المؤتمرات التمهيدية للمجمع الكبير على عهده، والتي نصت موادها بصراحة تامة أن الدعوة لأي عمل مجمعي حتى على المستوى التحضيري تتم من قبل البطريرك المسكوني بعد موافقة جميع رؤساء الكنائس، وأن القرارات جميعَها تتخذ بإجماع الكنائس المستقلة لكي يتم رفعها الى المجمع الكبير.

ثانياً: يذكّر الآباء أيضاً، بأن قداسة البطريرك المسكوني الحالي السيد برثلماوس، قد أكد أيضًا هذه القاعدة في الاجتماعات التحضيرية للمجمع الكبير، ولاسيما عندما قرر تعليق أعمال اللجنة التحضيرية في العام ١٩٩٩ بسبب انسحاب كنيسة واحدة من الاجتماع المذكور. وقد أدى هذا الأمر الى توقف العمل التحضيري للمجمع الكبير لمدة عشر سنوات. ويتساءل الآباء، كيف يمكن أن يؤدي غياب كنيسة واحدة إلى تعليق العمل التحضيري للمجمع، في حين يعتبر البعض أنه يجوز أن يلتئم "المجمع الكبير"، بمن حضر وفي ظل غياب أربع كنائس ارثوذكسية مستقلة!

ثالثاً: يلاحظ الآباء أن قاعدة الإجماع قد تم التأكيد عليها أيضاً عندما أعيد إطلاق العمل التحضيري للمجمع في العام 2009، وأنه في المؤتمر التمهيدي الرابع الذي انعقد في العام ٢٠٠٩، قام الوفد الانطاكي وبلسان مستشاره المرحوم الاستاذ ألبير لحام بالتشديد على ضرورة مراعاتها في آلية اتخاذ القرارات، مذكراً بأنه في حال لم يتأمن الاجماع على موضوع ما، يُحال هذا الموضوع الى اللجنة التحضيرية مجددًا لمزيد من الدرس كما ينص نظام المؤتمرات الأرثوذكسية التمهيدية. يومها لقي هذا الاقتراح ترحيب جميع الكنائس المشاركة بمن فيهم رئيس المؤتمر وكان هذا الاقتراحُ الأساسَ الذي بموجبه تم الوصول إلى اتخاذ القرار بشأن قضية الانتشار الأرثوذكسي والمجالس الأسقفية.

رابعاً: يكرر الآباء التأكيد أن الموقف الأنطاكي الداعي إلى بناء التوافق من خلال تأمين إجماع الكنائس المستقلة على المواضيع المطروحة كان يرمي منذ البدء الى تحصين الوحدة الأرثوذكسية في المرحلة التحضيرية وفقًا للتقليد الأرثوذكسي الثابت. وأن الكنيسة الأنطاكية لم تكن تتوقع أن تتحول هذه المسلّمة، التي أعادت التذكير بها فقط، إلى مادة خلافية، أو أن يتم تجاوز هذا المبدأ الراسخ من قبل الذين أرسَوه أصلاً ودافعوا عنه منذ البدء باعتباره ضمانة للوحدة الارثوذكسية، هذه الوحدة التي لا تتحقق في حال تم استبعاد أي من الكنائس عن المشاركة في القرار، أو في حال تم تجاهل طروحاتها. وهنا لا بد من الإشارة أن قمة رؤساء الكنائس المنعقدة في كانون الثاني العام 2014، قد أكدت هذه القاعدة لما قررت بأنه "يتم اتخاذ القرارات خلال المجمع وفي الفترة التحضيرية بالتوافق". ويتساءل الآباء: كيف يتحقق هذا التوافق في ظل رفض الكنيسة الأنطاكية لقرارات القمة المذكورة (2014) وقمة شامبيزي (2016)؟ وكيف يتحقق الإجماع في كريت في ظل غياب أربع كنائس أرثوذكسية؟

خامساً: يشدد الآباء أن الموقف الانطاكي المطالب بتأجيل انعقاد المجمع الكبير في حال لم يتأمن الإجماع حول مواضيعه لم يكن موقفًا مستجدًا أو عابرًا. فقد عبرت الكنيسة الأنطاكية عن هذا الموقف بوضوح مطلق في جميع المراحل التحضيرية للمجمع خلال السنتين الماضيتين، وذلك انسجاماً مع الدور الذي لعبته أنطاكية دومًا، والذي لطالما رفض تجاهل أية كنيسة مستقلة في العمل الأرثوذكسي المشترك. وبالتالي فإن كل ما نشر في وسائل الاعلام حول قبول الكنسية الأنطاكية الضمني بالمشاركة في المجمع هو غير صحيح، وبأن كل ما يتم تداوله من تحليلات حول الأبعاد السياسية لغياب أنطاكية عن اجتماع كريت، تبقى تحليلات سياسية لا صحة لها إطلاقاً. إن قبول أنطاكية "التدبيري" بالمشاركة في أعمال التحضير لا يعني تنازلاً منها عن مواقفها المشار إليها أعلاه بمقدار ما هو تأكيد على متابعة الجهود لتذليل كل العوائق التي كانت ولا تزال تمنع انعقاد المجمع.

سادساً: يستغرب آباء المجمع مواقف بعض الكنائس التي أخذت تدعو في الفترة الأخيرة إلى تجاوز مبدأ الإجماع أو التي أخذت تجتهد في تفسيره بخلاف ما ينص عليه نظام المؤتمرات الأرثوذكسية التمهيدية الذي أقر في العام 1986، والذي وقع عليه ممثلوها وعمل الجميع بموجبه حتى أثناء المؤتمر التمهيدي الخامس الذي انعقد في تشرين الأول 2015. كما ويستغربون كل المواقف التي صدرت مؤخرًا والتي أوحت بأن انعقاد المجمع في التاريخ المحدد هو أهم من مجمعية الكنيسة ووحدتها. وفي هذا المجال، يهم الكنيسة الأنطاكية أن تشكر الكنائس التي أيدت موقفها المحق هذا، ولاسيما كنائس روسيا وجورجيا وبلغاريا وصربيا.

سابعاً: يذكّر الآباء إخوتهم المجتمعين في كريت بمضمون المادة 17 من نظام المؤتمرات الأرثوذكسية التمهيدية الذي يعتبر أنه "في حال لم يحظَ موضوع معيَّن أثناء نقاشه في المؤتمر بتوافق الوفود، عندها يتم التخلّي عن اتخاذ قرار بشأنه، وتُحيله أمانة السر التحضيرية للمجمع الكبير المقدس إلى الدراسة والتوسع والتحضير الإضافي وفقًا للآلية المتعارف عليها على الصعيد الأرثوذكسي العام". وبمضمون المادة الرابعة من النظام ذاته التي تنص أنه "لا يمكن حذف أو إضافة أي موضوع على لائحة المواضيع هذه التي تم إعدادها والاتفاق عليها على الصعيد الأرثوذكسي العام، على الأقل حتى الانتهاء من دراستها. وبعد ذلك يجتمع المجمع الكبير المقدس". ويتساءل الآباء، كيف يمكن دعوة المجمع الكبير للانعقاد قبل استكمال العمل الإعدادي للمواضيع المدرجة على جدول الأعمال، وفي ظل تحفظ كنيستين على وثيقة "الزواج وموانعه" ومن دون موافقة الكنيسة الأنطاكية الصريحة على حذف ثلاثة مواضيع أساسية من بنوده (الروزنامة الكنسية-الذيبتيخا-الاستقلال الذاتي –Autocephaly- وكيفية إعلانه).

ثامناً: يؤكد أباء المجمع أنه وأمام الواقع المعروف الذي يعيشه العالم الأرثوذكسي كنتيجة لاجتماع كريت، فإن إجماع الكنائس الارثوذكسية يبقى القاعدة الذهبية لضمان وحدة العالم الأرثوذكسي، وهم يعتبرون أن هذه القاعدة كانت وستبقى الأساس المتين الذي لا بد من الارتكاز عليه في المستقبل ولاسيما في سبيل تجاوز تداعيات اجتماع كريت؛

تاسعاً: أما فيما يتعلق بالأصوات التي تعتبر اجتماع كريت مجمعاً مسكونياً ترعاه أصول انعقاد المجامع المسكونية. فقد ذكر آباء المجمع هؤلاء الإخوة، بأنه ومنذ مطلع القرن العشرين قد اتفقت الكنائس الأرثوذكسية على الاستعاضة عن الدعوة إلى مجمع مسكوني بالدعوة إلى مجمع أرثوذكسي عام حددت جدول أعماله وآليات عمله بوضوح في مؤتمر رودوس 1961، واستمرت في التحضير لانعقاده طيلة خمسة عقود ونيف. وقد اتفقت أيضاً بسبب طابع هذا المجمع الاستثنائي، أن لا يتمثل فيه جميع مطارنة العالم الأرثوذكسي كما يفرض التقليد الأرثوذكسي، وأن تؤخذ قراراته بتوافق جميع الكنائس المستقلة على قاعدة صوت واحد لكل كنيسة مستقلة. وبالتالي، فإن هذا المسار يدحض كل ادعاء يعتبر اجتماع كريت مجمعاً مسكونياً تنطبق عليه القواعد المتبعة بالنسبة للمجامع المسكونية، ويُلزِم المشاركين فيه احترامَ الأنظمة الموضوعة في حال أرادوا اعتباره مجمعًا أرثوذكسياً عاماً. وهذا الأمر لم يتحقق للأسباب المذكورة أعلاه.

وعليه، وبعد أن لاحظ آباء المجمع الأنطاكي المقدس أن اجتماع كريت لا تتوافر فيه ولا حتى الشروط المطلوبة لانعقاد المؤتمر التمهيدي للمجمع الكبير، وذلك بالاستناد إلى نظام المؤتمرات الأرثوذكسية التمهيدية المُقَرَّ في العام 1986 والساري المفعول حتى هذا التاريخ، والذي ينص على أن انعقاد هذا المؤتمر يتطلب موافقة جميع رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المحلية على دعوة المؤتمر للانعقاد (المادة 2)، وأن اتخاذ القرارات خلاله يتم بإجماع الكنائس الأرثوذكسية المستقلة كافة (المادة 16)، وهي شروط لم تتوفر في اجتماع كريت،

قرر آباء المجمع بالإجماع

1. اعتبار اجتماع كريت لقاءً تمهيدياً نحو المجمع الأرثوذكسي الكبير وبالتالي اعتبار وثائقه غير نهائيةٍ وخاضعةً للمناقشة والتعديل عند انعقاد المجمع الأرثوذكسي الكبير بحضور ومشاركة كافة الكنائس الأرثوذكسية المستقلة.

2. رفض اضفاء الطابع المجمعي على أي اجتماع ارثوذكسي لا تشترك فيه جميع الكنائس الأرثوذكسية المستقلة. والتأكيد أن مبدأ الإجماع يبقى القاعدة الأساسية التي ترعى العلاقات الأرثوذكسية المشتركة. وبالتالي فإن كنيسة أنطاكية ترفض أن يدعى اجتماع كريت "مجمعاً أرثوذكسياً كبيراً أو مجمعاً مقدساً كبيراً".

3. التأكيد أن ما صدر عن اجتماع كريت من مقررات وغيرها لا يُلزم بأي شكل من الأشكال بطريركية أنطاكية وسائر المشرق.

4. تكليف "لجنة المتابعة المجمعية" رصدَ نتائجِ وتداعيات اجتماع كريت واتخاذ اللازم بشأنها وتقديم تقرير مفصل للمجمع الأنطاكي المقدس في الدورة المجمعية المقبلة.

5. توجيه رسالة بخصوص قرارات المجمع الأنطاكي المقدس هذه إلى كافة الكنائس الأرثوذكسية المستقلة والسلطات المدنية والدينية في بلدان الانتشار.

6. الطلب إلى المؤمنين مواكبة آباء المجمع الأنطاكي المقدس في الصلاة من أجل الحفاظ والإظهار الكامل لوحدة الشهادة المسيحية الأرثوذكسية في عالم اليوم.

النص العربي هو الملزم.