نفس معتلةٌ وجسدٌ صحيح لا يعرفان طريق الخلاص،…



 كلمة البطريرك يوحنا العاشp1
في مرمريتا، 17 آب 2014

أصحاب السيادة، 
إخوتي وأبنائي، 

من قلب وادينا النابض، من جارة السائح الشامخ، ومن الرابضة في قلب كلّ منّا، يطيب لي أن أحيّيكم.

أحيّيكم في الرّب يسوع، الممجّد في قدّيسيه والممجّد في كلّ واحدٍ منّا إذا ما أتمّ مشيئته المقدّسة.
أحيّيكم في الرّب يسوع الذي به نعتمد، وعلى اسمه نمسح بزيت الميرون، وبسلطانه ننال غفران الخطايا، وبحمرة دمه نصير مساهمي الحياة الأبدية، وببركته تترسّخ أسس بيوتنا، وعلى مبادئه نربّي أولادنا، وعلى رجاء لقياه نلجّ ثرى هذه الأرض.
أحييكم به، هو الذي مجّد قدّيسه بندلايمون وأعطاه شرف الشهادة ومنحه شفيعاً لهذه الرعيّة المباركة تستظل بكنف حمايته وتحتمي بوفور شفاعته.
أحييكم بالرّب الذي شاء أن يجمعنا اليوم في مرمريتا، في هذه المطرانية التي تحمل كثيراً من الذكريات في قلبي.

في الترتيلة التي سمعناها نرى قدّيسنا بندلايمون طبيباً للنفوس والأجساد.

لاحظوا جيّداً ترتيب الجملة "طبيب النفوس والأجساد". لم تختر الكنيسة المقدّسة هذا الترتيب عبثاً. النفس أوّلاً ومن ثم الجسد. وشفاء النفس أوّلاً ومن ثم شفاء الجسد.
هذا القدّيس لم يكن طبيباً للجسد فقط، لا بل، وبادئ ذي بدء، طبيباً للنفس.

نفس معتلةٌ وجسدٌ صحيح لا يعرفان طريق الخلاص، بينما نفسٌ صحيحةٌ وجسدٌ معتل فيعرفان له سبيلاً.
ولهذا السبب فإن بندلايمون هو طبيبٌ للنفوس أولاً ومن ثم للأجساد.

يطيب لي من هذه الكنيسة المقدّسة أن أعود بالذاكرة إلى الوراء وأستذكر وإياكم تلك الأيام التي قضيتها بينكم أسقفاً. w
يطيب لي أن أتذكّر جهودكم الكثيرة ومحبّتكم. ويحلو لي أن أعود وإيّاكم إلى ذكرى شخصين ارتبط اسمهما باسم هذه الرعيّة المحروسة بالله وارتبط تراب كنيستها بترابهما، ولتسمح لي محبتكم أن أكتفي بهما، إذ فيهما يتجلّى جزء من تاريخ هذه الرعيّة، ويتلخّص تاريخ غيرتها للرّب القدير.

رحمك الله يا "أبونا عطية"، يا مهندس الحجر ومهندس بنيان البشر في هذه الرعيّة المباركة.
رحمك الله يا من خدمت هذه الرعيّة، على رغم كلّ ضعفات البشر، لأكثر من أربعة عقود.

رحمك الله يا بندلايمون كوتسوذونديس، يامن تجلّى حباً بالقدّيس بندلايمون، وأبى إلاّ أن يدفن في ثرى هذه الكنيسة، ليقول إن الأعراق كلّها تذوب في بوتقة المحبّة في المسيح الرّب.
رحمك الله يا من زيّنت تقدماته جدران كنائسنا.

لقد وضع هذان الرجلان، الإكليريكي والعلماني، خدمتهما قرباناً زكيّ العرف أمام المذبح الإلهيّ، ودفنا فعليّاً بجوار الكنيسة التي أحبّاها. وكأنّي بهما قد دفنا الواحد إلى جانب الآخر ليقولا لنا رمزياً إننا، إكليروساً وعلمانيين، مدعوون أن نُدفن في حقل الخدمة الكنسية، وأن ندفن فيه شيئاً من "الأنا"، ليسمو منطق "النحن" وليعلو بنيان الكنيسة المقدّسة ويرسو على أوجّ مجده السماوي لا الأرضي.

نشكر الرّب الإله القدير الذي سمح بلقائنا اليوم.
نشكره لأنه قوّى ويقوّي إيمان أبناء مرمريتا، مرمريتا التي تعبق برائحة بخور مار سابا، وتستيقظ على رنين أجراس مار بطرس، وتستظل بشفاعة القدّيس بندلايمون.
نشكره لأنّه شدّد إيمان أبنائها، وغرس فيهم الفضائل المسيحيّة فأورقت فيهم غيرة الرّب وأزهرت فيهم نعمته. نشكره لأنه بذر في قلوبهم حبّ المعرفة فنمت في أذهانهم مع تقوى الرّب.
نشكره لأنه أنبت في صدور أبنائها حبّاً والتصاقاً بأرضها وبأناسها مهما قست الظروف واتّسعت المسافات. نشكره لأنه أعطاهم إيماناً وطيداً راسخاً رسوخ الدلب في ساحتها.

يطيب لي ومن قلب مرمريتا أن أحيّي بشكل خاص كلّ أبنائنا في القرى المجاورة، وأن أعزّي من على هذا المنبر قلب كلّ أم وكلّ أب وكلّ شقيق التاع لفقدان الأحبّة، وأن أعزّي بشكل خاص ذويّ الشهداء الذين سقطوا في الأحداث الأخيرة التي تعصف بسوريا.

ربّ، عزّ قلب كلّ أم اكتوى بنار فقدان حبيبها، وامسح برحيق محبّتك دموع أحبّتك، وبلسم جراح الافتراق بطيب عزائك، وكلّل وادينا وبلادنا برونق سلامك.

بارك الله أبناءكِ يا مرمريتا.
بارك الله القرى المجاورة وأبناءها الطيّبين.
بارك الله هذه النفوس المعجونة بخميرة الأصالة والتي تتّحد سويّاً، وتنسى إلى أيّ قرية انتمت عندما تلتقي سويّاً، وتجتمع على غيرةٍ رسوليةٍ ومحبةٍّ للوطن ولإنسان هذا الوطن.

قوّاكم الله جميعاً لما فيه خير بلادنا وكنيستنا والإنسانية جمعاء.

وكلّ عام وأنتم بخير.