في الناس المسرّة:



في الناس المسرّة:

"الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَفي النَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لوقا ١٤:٢).

لختام هذه الآية معنى خلاصيّ كبير.b112-ar

ما هي هذه المسرّة؟ وما المقصود بها؟ لكي نصل إلى عمق الجواب وجوهره يجب أن نعود إلى ما قاله الله على لسان أشعياء النبيّ وتحديدًا في الإصحاح ٥٣ منه الذي يتكلّم بشكل واضح عن الآلام التي سيتحملّها المسيح لأجل خلاصنا.

«مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ.

لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولًا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ.»

وبعد هذه الآيات يأتينا الجواب:

«أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ.» (إشعيا ١٠:٥٣).

لاحظوا أنّ كلمة مسرّة مرتبطة بمشيئة الله الآب وهي أن يُسحق ابنه كذبيحةٍ أبديّة عن بني البشر.

فمشيئة الله هي قداستنا. إنّها مسرّة الآب الأزليّة بخلاص البشر من نير الخطيئة ومن سطوة الشرير.

والمسرّة بمعناها اللاهوتي هي إتمام مقصد الله من خلق الإنسان على صورته كشبهه، حيث إنّ الخليقة تتّحد بالخالق وتمجّده. وكلا الأمرين تحقّقا بتجسّد المسيح وصلبه وقيامته.

فولادة الرب لا تنفصل عن صلبه وقيامته. وما يبدو حزنًا واحتقارًا هو مسرّة خلاصيّة سلاميّة وأبديّة.

ويتابع الإصحاح نفسه ليقول:

«مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ.»

فصورة عبد الله «يهوه» المتألم أي ابن الله الوحيد على الصليب في نبوءة أشعياء النبيّ هي صورة التدبير الإلهيّ لخلاص البشر.

من هنا سمعنا في الظهور الإلهيّ (معموديّة يسوع) صوت الآب يقول عن المسيح: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (مت١٧:٣)، ليعود الآب ويقول الأمر نفسه في التجلّي مع إضافة «لَهُ اسْمَعُوا» (مت ٥:١٧).