رسالة رعائيّة ٢٠١٧



2017-03-05

p1 برحمة الله تعالى 
يوحنا العاشر 
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس 
إلى 
إخوتي رعاة الكنيسة الأنطاكية المقدسة 
وأبنائي وبناتي حيثما حلوا في أرجاء هذا الكرسي الرسولي 

يطيب لي أن أخاطبكم في الأحد الأول من الصوم أحد استقامة الرأي.

واستقامة الرأي، تعني استقامة الحياة والاستقامةَ في العلاقة والتصرفات اليومية كلها. ومعيار الاستقامة هو المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة، وكل ما قاله في إنجيله.

ولذلك فالمؤمن يُترجم مسيحيّته في كل ظروف حياته، في بيته وفِي عمله ومع أصدقائه وفِي كل مسؤولية تُسنَد إليه سواء أكانت إداريةً أم سياسيةً أم قضائيّةً ومهما كانت. يترجم استقامته هذه بإخلاصه لعائلته وبتربيته لأولاده، بالصدق في علاقاته اليومية، بعدم ظلمه للآخر، برفضه للرشوة؛ في مساعدته للفقير والمحتاج والمستضعفين في الأرض الذين جعل المسيح نفسه واحداً معهم؛ بالتزامه ببث قيم العدل والحريّة والسلام والعيش المحب مع الآخر مهما كان دينه ولونه وعرقه ومهما كان وضعه الاجتماعي والوظيفي.

the Lord وهي تُترجَم في علاقتنا في الكنيسة بين بَعضنا البعض، من خلال عملنا على اكتشاف المواهب وتفعيلها وتوظيفها كلها في خدمة جسد المسيح الذي هو كنيسته. وتُترجَم في صبرنا على غيرنا وتحمّلنا أثقال بعضنا البعض والابتعاد عن التجريح والنميمة وتشويه صورة الآخر. كما تُترجَم أيضاً بأنْ نَمتحن كل موقف يصدر عنا كهيئات أرثوذكسية على ضوء الإنجيل فلا نلصق لقب الأرثوذكسية بتصرفاتٍ نابعة من أهوائنا ومصالحنا لم نمحّصها على ضوء الإنجيل وبالتشاور مع الذين أُوكل إليهم أمر سلامة الإيمان.

كما وتترجَم استقامة الرأي في انصراف الكاهن الى رعاية الرعية الموكلة إليه بأمانة وإخلاص وفِي أن تتعهد الرعية كاهنها وتحبّه وترعاه بدورها هي أيضاً فلا يشعر بأنه غير محبوب أو مُقصى عن القلوب. هي تترجم بعلاقات تقوم على التعاضد والتعاون والتكامل بين الرعايا في الأبرشية الواحدة، وبين الأبرشيات فيما بينها، وبيننا وبين أبنائنا في بلاد الانتشار، علاقاتٍ نستطيع أن نفاخر بها ونقول أمام الملأ: تعالوا وانظروا كيف نعيش وحدتنا ضمن تعدد المواهب التي منحنا الله إياها.

واستقامة الرأي هذه يصونها في هذا المدى الأنطاكي المجمع الأنطاكي المقدس، الذي يسهر على سلامة العقيدة والإيمان القويم وعلى استقامة الممارسات بحيث تعبر عن حقيقة إيماننا الأرثوذكسي الذي تسلمناهُ من الرسل والقديسين.  فنحن ندير شؤون كنيستنا مجمعياً، أي في هذا اللقاء المحب بين المطارنة والبطريرك. وإدارتنا لشؤوننا الكنسية تخضع لأحكام الإنجيل وتتم بالتفاهم والتناغم فيما بيننا، بحيث لا يتفرد أحدنا بموقف على بالغ أهميةٍ ضمن الكنيسةِ لا يحظى برضى الإخوة في المجمع.

والمجمع يشرف أيضاً على أن تعبّر مواقفنا الوطنية عن إيماننا الحقيقي. وهو يخاطب المؤمنين ليوضح كيفية تجسيد هذا الإيمان في التزامنا لشؤون أوطاننا وقضاياها. ويتكلم البطريرك باسم هذا المجمع ناقلاً هذه المواقف، إلى السلطات المعنية، كما يسهر خارج أوقات انعقاد المجمع، على التذكير بمواقف الكنيسة الانطاكية ومتابعة تنفيذها.

من هنا، ووسط ما نعيشه في هذه الأيام، أدعو العالم الى السعي الجاد من أجل وضع حد لعذابات الشعب السوري الذي يرزح تحت وطأة نتائج الحرب المدمرة عليه والذي يعاني من صعوبات حياتية واقتصادية هائلة. وأشدد على وحدة الأراضي السورية وعلى ضرورة تضافر الجهود من أجل إعادة إعمار هذا البلد ومن أجل تسهيل عودة أبنائه إليه ومساعدة من بقي منهم على الثبات في أرضه والعيش فيها بحرية وكرامة. وأناشد العالم الالتفات إلى مصير المخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب بولس يازجي ويوحنا إبراهيم اللذان مضى على خطفهما ما يقارب الأربع سنوات في ظل صمتٍ دولي صار يضاهي في وطأته علينا ألم غيابهما.

وفي هذا اليوم، باسمي وباسم إخوتي مطارنة الكرسي الانطاكي، نعبر عن فرحنا بإعادة انتظام المؤسسات في لبنان. ونشكر فخامة الرئيس ميشال عون رئيس للجمهورية اللبنانية على لفتته المُحبة بتكريم أخينا المطران جورج (خضر) ومنحه وسام الأرز الوطني، ونرى في هذا التكريم تقديراً للمواقف الوطنية للكنيسة الأنطاكية التي جسدها المطران المكرّم طيلة سنوات خدمته.

وهنا أدعو من أجل الحفاظ على استقرار لبنان وأشدد على ضرورة الإسراع في الاتفاق على قانون للانتخابات النيابية يُؤمّن التمثيل الصحيح لجميع أطياف الشعب اللبناني ويعزّز الشراكة الوطنية والعيش الواحد ويكفل استمرارية الحياة الدستورية. وأدعو أبناءنا إلى اليقظة من أجل الإتيان بنواب يعلون المصلحة الوطنية على مصالحهم الشخصية، ويتحلّون باستقامة السيرة، ويكونون قادرين على محاربة الفساد وإيقاف التعدي على الملك العام وإيفاء الحقوق لمستحقّيها من أجل النهوض بهذا الوطن.
صلاتنا اليوم أن يكلل الرب درب الصوم الكبير بقيامةٍ مجيدة.

صدر عن مقامنا البطريركي بدمشق
في أحد الأرثوذكسية بتاريخ الخامس من آذار للعام ألفين وسبعة عشر