تذكار نقل المنديل الشريف من الرها إلى القسطنطينية



08-16

(+944 م):

يرد في التقّليد الكنسيّ أن الأبجر، ملك الرها، وهي الواقعة بين دجلة والفرات، عانى البرص والتهاب المفاصل. فإذ سمع بالأشفية الكثيرة التي كان يحدثها الرّب يسوع، رغب في أن يأتي يسوع إليه لينال الشفاء منه. فأوفد مندوبين من قبله ليطلبوا من الرّب يسوع المجيء إليه، ولكن الذي حصل أنّهم أتوا بصورة ليسوع، بحيث أن أحد الموفدين، والذي كان يدعى حنانيا، حاول رسم وجه يسوع من بعيد أثناء إلقائه أحد عظاته فلم يستطع، إذ كان كلّ مرّةٍ ينظر فيها إلى وجه الرّب كان يرى نورًا لا يحتمل وصفه، وكان يسوع يشاهده وهو يحاول الرسم، عندها طلب منه الاقتراب وأخذ قطعة القماش التي كان حنانيا يحاول أن يرسم عليها ومسحها على وجهه وأعطاه إيّاها، فانطبعت صورة وجه يسوع عليها.t

ولمّا عاد الوفد إلى دياره، وأخبروه ما حصل معهم، قام الملك بالسجود لها على الفور فشفي، ولكن بتدبير من الله طبعًا، بقي للملك أثار جرح في جبينه.

قطعة القماش هذه، معروفة في الغرب باسم "المنديليون" ولكنّها في الحقيقة تسمّى Acheiropoietos أيّ "غير مصنوعة بيد أحد".

لاحقًا، بات "المنديليون" أساس الأيقونات التي شاع استعمالها في الكنيسة، بالإسم عينه، وكانت توضع فوق الأبواب المقدّسة المؤديّة إلى الهيكل، أو فوق الأبواب الملوكيّة الفاصلة ما بين Narthex أيّ مدخل الكنيسة و Naveالذي هو صحن الكنيسة.

هذا وقد ورد أن "المنديليون" ضاع في الرها إلى أن كشف في رؤيا لأسقفها أفلاليوس سنة 544م، بعد أن قام أسقف الرها في عهد الملك أبجر بتخبئته خلف حائط مشعلًا قنديل زيت أمامه، وذلك خوفًا من أن يدنّسها الملوك الوثتيّين الذين استلموا الحكم بعد أبجر.

وعند اكتشافه، انذهل الجميع أن قنديل الزيت كان ما يزال مشتعلًا عدا عن الرائحة الطيّبة التي فاحت.

يومها كانت الرها محاصرة من الفرس، وكان من نِعم اكتشاف "المنديليون" أن أنفك الحصار عن المدينة.

لم تمضِ سنوات على ذلك حتى عاد الفرس واحتلّوا الرها ليعود يسترجعها الإمبراطور هيراكليوس البيزنطي سنة 628 م، ولكن انتهى امرها في يد العرب.

بقيت صورة "المنديليون" في الرها إلى القرن العاشر، وقد جرى نقلها إلى القسطنطينية، زمن الإمبراطور رومانوس لوكابينوس سنة 944 م، ليختفي أثره بعد دخول الصليبيون القسطنطينية سنة 1204م أبان الحملة الرابعة. وقد تكلّم كثيرون أنّ "المنديليون" أُخذ إلى فرنسا ليوضع هناك داخل كاتدرائيّة، لكنّه اختفى خلال الثورة الفرنسيّة.

من جهة أخرى أورد أفسافيوس القيصري(265-339)، المؤرّخ الأريوسي الذي رفض ألوهة المسيح، في الكتاب الأول من كتابه تاريخ الكنيسة، الفصل الثالث عشر خبر الرسالة التي بعث بها الملك الأبجر للرّب يسوع، وكذلك الرسالة الجوابية التي قيل أنّه تلقّاها منه، لكنّه لم يأتي على ذكر "المنديليون" بتاتًا.

هاتان الرسالتان، بحسب قوله، مأخوذتان من سجلات أدسّا (الرها)، وقد نقلهما، في تاريخه، عن السيريانية.

أهم ما ورد في الفصل الثالث عشر من كتابه في هذا الشأن:
- أصيب الملك أبجارا بمرضٍ مروعٍ عجزت عن شفائه كلّ حكمة بشريّة.
- سمع باسم يسوع ومعجزاته.
- أرسل إليه رسالةً ورجّاه أن يشفيه من مرضه.
- لم يجبه يسوع إلى طلبه لكنّه أرسل رسالة شخصيّة قال فيها إنّه سيرسل أحد تلاميذه لشفائه من مرضه. وفي نفس الوقت وعده بالخلاص لنفسه ولكلّ بيته
- بعد قيامة يسوع، أرشد الوحيّ توما الرسول، فأرسل تدّاوس الذي هو من السبعين ليكرز ويبشّر بتعاليم المسيح في الرها. وعلى يديه تم كلّ ما وعد به مخلّصنا.
- وضع تدّاوس يده على أبجارا. ولمّا فعل ذلك شفاه، في الحال، من المرض والآلام التي كان يعانيها.

- كذلك شفى تدّاوس الكثيرين من سكان المدينة، وصنع عجائب وأعمالَا مدهشة، وكرز بكلمة الله.

أوّل ذكر للمنديليون ورد في سفر "عقيدة أداي" العائد إلى أواخر القرن الرابع للميلاد.
كما يُذكر أن القدّيس يوحنا الدمشقيّ وآباء المجمع المسكونيّ السابع أشاروا إلى "المنديليون" في معرض دفاعهم عن إكرام الإيقونات