مؤتمر "الحرية الدينية أو حرية المعتقد للمسيحيين…



2016-10-11

مؤتمر "الحرية الدينية أو حرية المعتقد للمسيحيين الأرثوذكسين في العالم"
قبرص ٨-١١ تشرين الأول  ٢٠١٦

استضافت كنيسة قبرص بالتعاون مع لجنة ممثلي الكنائس الأرثوذكسية في الاتحاد الأوروبي مؤتمراً بعنوان "الحرية الدينية أو حرية المعتقد للمسيحيين الأرثوذكسيين في العالم"، وذلك في مقر رئاسة أساقفة قبرص في العاصمة نيقوسيا في الفترة الممتدة بين ٨ –١٠ من شهر تشرين الأول لعام ٢٠١٦، وهو الثالث في سلسلة المؤتمرات التي تنظمها اللجنة بعد مؤتمري رومانيا واليونان في السنين الفائتة.


ابتدأ المؤتمر بكلمة ترحيب من قبل صاحب الغبطة رئيس أساقفة قبرص خريسوستوموس الثاني، تبعته كلمات ألقاها كل من السيد يوانيس كاسوليذيس وزير خارجية قبرص ممثل الحكومة القبرصية، السيد جورج ماركوبوليوتيس ممثل المفوضية الأوروبية، والسيد نكتاريوس نيكولاييذيس ممثل مكتب البرلمان الأوروبي في قبرص.


شارك في المؤتمر ممثلون عن الكنائس الأرثوكسية المستقلة، لكل من كنيسة القسطنطينية، الاسكندرية، أنطاكية، أورشليم، روسيا، صربيا، رومانيا، وقبرص. وقد شارك في المؤتمر قدس الأرشمندريت موسى الخصي وكيل أبرشية حلب والاسكندرون ممثلاً لصاحب الغبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر الكلي الطوبى والجزيل الاحترام، وقدّمَ مداخلةً باللغة الإنكليزية عن شهادة كنيسة أنطاكية خلال الأزمة في سورية والشرق (مرفق النص باللغتين العربية والإنكليزية).


وقام المؤتمرون بزيارة لبعض الأديرة والكنائس في قبرص، كما وبعض آثار الأديرة والكنائس المخربة في القسم الشمالي من الجزيرة للتعرف إلى الوضع الحالي الذي تعيشه قبرص.
وتمّ في نهاية المؤتمر إقرار إرسال بيان عن المؤتمر يتضمن أعماله لنقل خبرة الكنيسة الأرثوذكسية إلى الاتحاد الأوروبي والعالم.

 

"شهادة كنيسة أنطاكية خلال الأزمة في سورية والشرق"
مداخلة في مؤتمر
"الحرية الدينية أو حرية المعتقد للمسيحيين الأرثوذكسيين في العالم"
قبرص 8 – 10 تشرين الأول 2016

مقدمة:
تأسست كنيسة أنطاكية مع بداية ظهور المسيحية، حيث في أنطاكية "دعي التلاميذ مسيحيين أولاً" (أع 11، 26). وضمت الحدود الجغرافية لبطريركية أنطاكية "سورية والعربية وكيليكيا والبلاد الكرجية ومابين النهرين وسائر المشرق"، كما ينصُّ الـ"فيمي" التاريخي لبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ومع مرور الزمن انتقل مقر البطريركية الأنطاكية من أنطاكية إلى مدينة دمشق، وتوسع أفقها الرعوي خلال القرنين الماضيين ليشمل رعاية أبنائها في بلاد الانتشار، بعد تهجير الكثيرين منهم من أوطانهم بفعل الحروب والعوامل الاقتصادية التي فُرضَت على الشرق الأوسط.


وقد جاهدت كنيسة أنطاكية، منذ زمن تأسيسها وعلى مدى التاريخ، لتشهد لقيامة المسيح يسوع. واستمرت هذه الشهادة خلال عصور اضطهادات الامبراطورية الرومانية الوثنية، وخلال الفتح الإسلامي، وغزوات الفرس والمغول والمماليك والعثمانيين والجيوش الأجنبية الأخرى، وما استتبع سياسات الغزاة من انتهاكات واضطهادات على أساس دينيّ، ولتستمر في العصر الحديث مع الحروب الطاحنة التي تدور رحاها في أرضها عامةً، وسورية والعراق بشكلٍ خاص.
ولسنا هنا بصدد إعدادِ دراسةٍ تاريخية لنتائج هذه الحروب وتأثيراتها في المنطقة والعالم وعلى كنيسة أنطاكية وأبنائها، وإنما سنوضح في مداخلتنا هذه الوضع الحالي الذي يتوجب على المسيحيين عامةً، والكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية بشكل خاصٍّ، أن يعيشوا فيه خلال سنوات الأزمة في سورية، والصعوبات الكبيرة التي يرزحون تحتها في مواجهة تداعيات الحرب العنيفة القائمة في المنطقة.

أولاً: التعددية وحرية الممارسة الدينية في سورية قبل الحرب:
تبلغ مساحة سورية حوالي 185.180 كيلومتراً مربعاً، وبلغ عدد سكانها قبل سنيِّ الأزمة حوالي 23 مليون نسمة، ويشكل المسيحيون بطوائفهم المتعددة حوالي 10 % من عدد السكان الكليّ. وأكبر الكنائس عددياً هي كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، كما وينتمي معظم المواطنين من أصول أرمنية إلى الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، التي تستخدم الطقوس واللغة الأرمنية، وكذلك المواطنون من أصول سريانية إلى كنيسة السريان الأرثوذكس. وتضم أيضاً الكنائسَ الأخرى الكاثوليكية التي تعترف بسلطة بابا الفاتيكان كما والكنائس البروتستانتية.


ينص دستور الجمهورية العربية السورية على الحرية الدينية، ولا يوجد دين رسمي للدولة، ولكن الدستور يتطلب أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً، وينص على أن الشريعة الإسلامية مصدرٌ رئيسيّ من مصادر التشريع. وتتلقى المساجد والكنائس بعض المرافق الخدمية بالمجان، كالماء والكهرباء، ويتم إعفاؤها من الضرائب العقارية والضرائب على السيارات الرسمية. وتحجم الحكومة عن التدخل في الشؤون الدينية البحتة، وتسمح باستخدام اللغة الدينية في الأماكن العامة، بما في ذلك رفعِ الشعارات دينية.


تنكر الدولة أي شكلٍّ من أشكال الطائفية، وجميعُ المدارس هي مدارس لا طائفية، غير أن بعضها تتم إدراته بالممارسة من قبل الطوائف الدينية، وهناك حصصٌ دينية إلزامية في كافة المدارس، ويقسم المنهاج الديني إلى قسمين: إسلامي ومسيحي. اللغة العربية هي اللغة الرسمية للتعليم في المدارس العامة، ويتم تدريس اللغات الأجنبية، وتسمح الدولة بالتعليم بالأرمنية والسريانية والكلدانية. كما وزادت الحكومة دعمها لممارسة ودراسة الأشكال المعتدلة من الإسلام.
تخضع الطوائف الدينية المختلفة لقوانينها الروحية فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية، وتوجد للكنائس محاكمها وقوانينها الروحية المستقلة والتي تُعتبر قراراتها نافذةً في الدولة. فيما يستند قانون الأحوال الشخصية لدى المسلمين إلى الشريعة الإسلامية. أما الأمور الجزائية الأخرى فيعود اختصاصها إلى المحاكم المدنية والجزائية. وتُعتبر الأعياد المسيحية الرسمية، كالميلاد والفصح الشرقيّ والغربي، كما الأعياد الإسلامية، عطلاً رسمية.


ورغم أن سورية هي دولة سكانها بغالبيتهم من المسلمين، إلا أنها لا تعيش وفق منطق الأكثريات والأقليات، إذ يرفض مواطنوها التطرف ويعيشون الإسلام المعتدل. فالسمة الوطنية للعيش المشترك في سورية، والتي يفتخر بها جميع السوريون بكافة أطيافهم، هي تقليد العيش المشترك الأخوي والسلميّ بين كافة الطوائف والأديان.


إن سورية، قبل الحرب، هي دولة منفتحة على التجارة الخارجية، وعلى السياحة الداخلية والخارجية، ولطالما تميزت بحرية التنقل والثقافة للرجال والنساء على السواء. وقبل بدء الأزمة كان عدد النساء اللواتي انخرطن في العالم المهني في تزايد مضطرد، وكذلك الجامعات مفتوحةً للجميع دون تمييز على أساس الجنس. وكان البلد يعيش في سلام ورخاء متقدماً نحو الازدهار بخطى ثابتة، فسورية التي لطالما كانت موطناً للعديد من الأعراق والأديان، هي مكان يجمع الجميع على حرية المعتقد وعيش الإيمان وتتسم فيه جميع العلاقات بالاحترام المتبادل. والحرية التي نادى بها المحتجون مع بداية الأزمة، والتي هي بالأساس عطية إلهية ومطلبٌ حقّ لجميع الناس، تطورت إلى تعصبٍ أعمى يسرق هذه الحرية عينها من أبناء سورية والعراق ودول المنطقة والعالم.

ثانياً: مسيحيو كنيسة أنطاكية الأرثوذكسيين في مواجهة الحرب في سورية والشرق:


انطلقت في عام 2011 شرارة الحرب الطاحنة في سورية، والتي تدور رحاها حتى اليوم محاولةً تدمير هذا المجتمع الفريد المتعدد الأديان. وظهر في عام 2013 ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وسورية"، وسيطر على ثلث مساحة أراضي سورية والعراق وتمدد سريعاً بشكل مأساوي في مناطق العراق وسورية التي تتميز بالحضور المسيحي القوي فيها. ومنذ ذلك الحين يشهد العالم المصدوم قطع الرؤوس المروع لأناسٍ أبرياء، والتهجيرَ، والاغتصاب والقتل الذي يتعرض له مسيحيو هذه المناطق، مع أخوتهم، من مسلمين وأزيديين وأناس كافة الأديان والطوائف الأخرى، الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم يقطنون هذه البلاد، كما ويشهد نهبَ وتدمير وإحراق الكنائس مع المساجد، ووسمَ منازل المسيحيين بإشارات خاصة دعماً للمضي قدماً في هذه الأفعال المشينة.


وإذ وعت كنيسة أنطاكية الأرثوذكسية الخطر المحدق الذي يهدد، ليس سورية والعراق والشرق فحسب، بل العالم بأكمله، فقد وقفت برعاتها ورعيتها في مواجهة هذه الحرب الشعواء، الذين دفعوا، ولا زالوا يدفعون، مع أخوتهم المسلمين والمسيحيين، ثمناً باهظاً في حياتهم وممتلكاتهم وغربتهم، وتنوعت طرق شهادتهم للرب والوطن لتتجلى في عدة نواحٍ أهمها النقاط الثلاث التالية:


• شهادة كنيسة أنطاكية في مواجهة الأخطار التي تهدد الحياة: بدأ المسلسل العلني لخطف وقتل المسيحيين مع رئيس الأساقفة الكلداني مار بولس فراج راحو في العراق عام 2008، واستمر على مدى الحرب في سورية، حيث استشهد عام 2012 كاهنان أرثوذكسيان أنطاكيان هما الأب باسيليوس نصار في حماة، والأب فادي حداد في دمشق والذي كان يقيم مفاوضات لإطلاق سراح شابٍ مخطوف من أبناء رعيته. وفي عام 2013، اختُطِف الكاهنان اسحق محفوض وميشال كيال وهما في طريق العودة من حلب ولا معلومات عن مصيرهما الآن، كما اختطف المطرانان بولس يازجي متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما للروم الأرثوذكس ويوحنا ابراهيم متروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس في طريق عودتهما إلى حلب من مهمة إنسانية لإحضار الكاهنين المخطوفين، دون وجود معلومات أكيدة عن مصيرهما حتى الساعة، في حين يقف العالم متفرجاً في مواجهة قضية خطفهم بصمتٍ يكاد يكون أخطر من الخطف بحد ذاته. كما ولا يمكننا إلا أن نذكر خطف راهبات دير القديسة تقلا الأرثوذكسيّ في معلولا الذي امتد لمدة 4 أشهر، واستشهاد الأب الهولندي فرانس فاندرلخت الذي قتله مسلحون في حمص رغم مساعدته لجميع الناس، والأب فرانسوا مراد الذي قدم حياته دفاعاً عن دير اللاتين في قرية الغسانية في ريف إدلب والشيوخ والعجزة من أبناء المنطقة الذين لجؤوا إليه. ويقدم أبناء كنيسة أنطاكية مع رعاتهم حياتهم يومياً على مذبح الكنيسة والوطن بفعل الرصاص والقذائف في دمشق وحلب وحمص وحماة وإدلب وكافة بقاع سورية والعراق، على مثال سيدهم المصلوب والرسل والقديسين الذين بعد معاينتهم نور القيامة قدموا حياتهم ثمناً لانتشار الإنجيل والكنيسة في الشرق والعالم أجمع.


• شهادة كنيسة أنطاكية في مواجهة العوز الاقتصادي: دَمرت هذه الحرب الكنائسَ والمساجد والأديرة وممتلكات الناس في كل مكان دخلت إليه. فقد دُمِّر دير القديسة تقلا في معلولا عام 2013 تزامناً مع خطف راهباته. وكان لأبرشية حلب والاسكندرون وتوابعهما النصيب الأكبر من الدمار والخراب حيث هُدِّمت أغلب كنائسها وأوقافها ومؤسساتها ومدارسها في حلب بفعل القذائف، كما ورعيتا مدينةِ إدلب وبلدةِ الطبقة في ريف الرقة التابعتان لها، ونُهبت الأيقونات الحلبية الفريدة عالمياً من كنيسة إدلب، وتعرض دير القديس سمعان العمودي الأثريّ في ريف حلب، والذي يعود للقرن الخامس ميلادي، للتدمير والتخريب. وكذلك الأمر في حمص التي دُمرَت كنائسها ومدارسها، وفي بقاعٍ أخرى من سورية والعراق. وخسر الكثيرون من أبناء كنيسة أنطاكية منازلَهم وكافةَ ممتلكاتهم بفعل القذائف والسرقة، وخاصةً في حلب وحمص، وخسروا معها آمالهم وأحلامهم بحياة هانئة، ورافق ذلك خسارةُ الأعمال والوظائف مما أدى إلى الفقر المدقع والحاجة حتى إلى الأساسيات. وتحاول كنيسة أنطاكية جاهدةً، في مواجهة هذا العوز الاقتصادي الكبير، دعمَ صمودِ الكنيسة في الشرق وثباتِ أبنائها في وطنهم ومساعدتَهم بكافة الوسائل والإمكانيات المتاحة.


• شهادة كنيسة أنطاكية في مواجهة تهجير المسيحيين: أدت هذه التهديدات الكبيرة، مع العامل الاقتصادي والعوامل المتعددة الأخرى، إلى دفع الكثيرين من أبناء الكنيسة الأنطاكية إلى الهجرة طلباً للأمان ولحياة ترقى لمستوى الإنسان، فازدادت الهجرة الداخلية بشكل كبير، وخاصةً من حلب وحمص إلى أماكن أكثر أمناً واستقراراً في سورية، مما أدى إلى تغيراتٍ كبيرة في البنية الديموغرافية. كما شكّل بعض الأرثوذكسيين، مع الكثيرين من أبناء سورية والعراق، موجة ضخمة من الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى بلدان الأميركيتين وأستراليا وأوروبا. وتحاول كنيسة أنطاكية جاهدةً نشر الوعي بين أبنائها بأهمية بقائهم وتشبثهم بأرض أجدادهم، والتي تقع على عاتقهم المسؤولية أمام أحفادهم في الحفاظ على تنوعها الديني وإرثها الثقافي الأصيل في مواجهة خطر التكفير الذي يسعى إلى رسم سياسة اللون الواحد والكيانات الطائفية، فالمسيحيون مكوِّنٌ أصيل من مكونات سورية منذ أكثر من ألفي عام، وهم سوريون، سورية هي وطنهم الأم وخارجها هم غرباء. لكن الكنيسة الأنطاكية، وفي الوقت ذاته، تسعى بكافة الوسائل والإمكانيات المتوفرة إلى مساعدة الذين يصلون منهم إلى المغترب عن طريق أبرشياتها في بلاد الانتشار من خلال احتضان الكنيسة لهم روحياً ومادياً.


لذلك، فإن كنيسة أنطاكية، ومن خلال شهادتها في سورية والعراق والشرق والعالم أجمع، تؤكد أن كنيسة الرب يسوع هي عمانوئيل العالم، إذ تربطها بالشرق والعالم أجمع علاقة عميقة ووطيدة بألمهِ ورجائه، فرحِه وحزنه، مشكلاته وأزماته، وهي، في الوقت نفسه، تقدم ذاتها لأجل العالم أجمع على مثال سيدها، دون أن تنسى جذورها وهويتها المشرقية. لهذا، فهي تدعو إلى إحلال السلام في العالم ووحدة أراضي كل من سورية والعراق ولبنان وسائر دول الشرق، وتسعى، في غمار هذا العنف والدمار الحاصل، إلى الحفاظ على دولة علمانية تقوم على دعمٍ صريحٍ وواسعٍ لمجتمع متعدد الأديان وتضمن الحرية الدينية، حتى في دول الشرق ذات الغالبية الإسلامية.


وتشدد كنيسة أنطاكية من خلال خبرتها الطويلة في الشهادة لقيامة يسوع المسيح، أن مواجهة التعصب التكفيري الأعمى الذي يضرب سورية، لا تتم إلا باليقظة والتنبه لوجود مخطط لتدمير ثقافتها الغنية القائمة على التعددية والتشابك الكبير في نسيجها الوطني، واستبدالها بنسخة أحادية اللون من الإسلام المتطرف، والتي ستمتد تداعياتها لتؤثر في العالم أجمع، والتاريخ سيدين بشدة كلَّ من يستثمر في هذه الحرب لمصالحه الذاتية.


خاتمة:
وخيرٌ ختامٍ لهذه المداخلة هو بالكلمات الملهمة لصاحب الغبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر، إذ يقول: "يبحث مسيحيو شرقنا اليوم عمن يسمع هتافهم فلا يجدون. نحن في بلادنا دعاة سلامٍ، دعاة مصالحة وتآلف وتآخٍ. ونحن لا نستجدي شفقة الأقوياء في هذا العالم، بل نرفع الصوت في وجوههم قائلين: كفى تكفيراً وإرهاباً وتزييفاً لحقائق الأمور. كفى تصديراً للهمجيات وامتطاء للشعارات. كفانا تصريحات مزّيفة تدعو لاستقبال المسيحيين. إن خير ما يفعله العالم لخير المسيحيين والمسلمين معًا هو نشر ثقافة الحوار في مشرقنا، ومحو ثقافة السيف... اقطعوا عن بلادنا يد الإرهاب وأوقفوا سيل السلاح وردوا سفنكم إلى موانئها. نحن لا نُحمى بسفن الحرب ولا بسفن التهجير. نحن نُحمى بغرس السلام في ربوعنا. نحن مغروسون هنا منذ ألفي عام. هنا ولدنا، وهنا عشنا ونعيش، وهنا سنموت... نحن في أنطاكية، رغم ما نذوقه من الألم المبرّح، ورغم الاضطرابات الكثيرة، وما نقاسيه من خطف، وتشريد، وحرمان من مقومات العيش الكريم، ما زلنا نحب الإخوة ونرى في لقائهم، والحوار المخلِص معهم، وجهًا من وجوه الرجاء والشهادة لمن غلب الألم والموت ومنحنا عند فجر اليوم الثالث نور قيامته والرحمة العظمى. له المجد في كل شيء. آمين".