البروجيازميني: القدسات السابق تقدّيسها



البروجيازميني: القداس السابق تقدّيسه

تعريف
كلمة "بروجيازميني" مصطلح يوناني يعني "ما سبق تقديسُهُ، وهو اسم هذه الخدمة الطقسيّة الخاصّة بزمن الصوم الكبير.

هو قدّاس له هيكلية "صلاة الغروب" المعتادة، ولا تجري فيه صلاة التقدّيس (تحويل الخبز والخمر الى جسد المسيح ودمه المقدّسين) كما هي العادة في سائر القداديس، بل يكون الكاهن محتفظاً على المائدة المقدّسة بقرابين تمّ "تقديسها في قدّاس سابق" يوم السبت أو الأحد السابقَين، فيتناول منها المئمنون. من هنا أتت التسمية: القدسات السابق تقديسها أيّ التي قدُّست سابقًا προαγιασμένη προ (قبل αγιασμένη مقدّس).

تُقام هذه الخدمة يومَي الأربعاء والجمعة من أسابيع الصوم الكبير المقدّس (صباحًا أو مساءً حسب التدبير)، بالاضافة الى يوم خميس القانون الكبير (الخامس من الصوم الكبير) المعروف "بخميس التوبة"، وأيّام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من الأسبوع العظيم المقدّس وأيضًا في مناسبات أخرى مذكورة في كتاب التيبيكون.

أصل هذا القدّاس:
من المرجّح أنّ هذا القدّاس ظهر في إنطاكية بين القرنين الخامس والسادس في زمن البطريرك ساويرس (٥١٢–٥١٨م)، ثمّ إنتقل إلى القسطنطينية في القرن ذاته.

مفهوم القدّاس السابق تقديسه:
ليس من الغريب في المسيحيّة أن تكون الإفخارستيا، أي تناول جسد ودم الربّ الكريمين، محور حياة المؤمنين: "مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" (إنجيل يوحنا ٥٦:٦). الجدير ذكره أنّ سّر الإفخارستيّة هذا يمارس في الكنيسة منذ القرن الأوّل ميلادي.
ولمّا كان من المستحيل على المسيحيّ أن ينقطع عن تناول القدسات الكريمة، عمدت الكنيسة إلى تدبيرٍ خلال الصوم الأربعيني، يتمّ فيه تقدّيس القرابين في قدّاس السبت أو الأحد (الاستحالة) والاحتفاظ بها ليتناولها الشعب في الأسبوع التالي، من منطلق أنّ زمن الصوم هو زمن توبة ورجوع إلى الذات، بينما القدّاس الإلهي، طابعه فرح الفصح وابتهاج القيامة.

القوانين الكنسيّة:
تشير وثيقة من القرن السابع للميلاد إلى وجود هذه الخدمة، وإن كانت تمارس بشكل مختلف عما هو حالها اليوم. كذلك يذكر القانون الأوّل من قوانين القدّيس نيكيفوروس (٧٥٨-٨٢٩م) بطريرك القسطنينية إقامة هذه الخدمة، فيقول: "يصوم الرهبان يوم الأربعاء والجمعة من مرفع الجبن، وبعد تناول القدسات السابق تقديسها، يتغذون بالجبن أينما وجدوا".
ولدينا قوانين مجمعيّة تمنع إقامة القدّاس الالهي أيام الصوم:
- ينصّ القانون ٤٩ من مجمع اللاذقية المحلّي المنعقد بين ٣٤٣ و٣٨١م على التالي: "لا يجوز تقديم الخبز في أيام الصوم الكبير، باستثناء السبت ويوم الرّب".
- ينصّ القانون ٥٢ من المجمع المسمّى الخامس – السادس (البنثيكتي)، المعروف بمجمع "ترولّو" نسبة إلى قبة كنيسة القصر الامبراطوريّ التي كانوا مجتمعين تحتهاسنة ٦٩٢، إلى أنّه يُقام قدّاس القدسات السابق تقديسها كلّ أيام الصوم، ما عدا السبوت والآحاد ويوم عيد البشارة المقدّس.

شرح

التهيئة للقرابين:
تتمّ التهيئة للقرابين وتقديسها في قدّاس الأحد أو السبت من الأسبوع السابق لخدمة البروجيازميني.
أثناء خدمة الذبيحة في صلاة السحر، بعد أن يقطع الكاهن الجزء المعروف "بالحمَل" من القربان المعد للتقدّيس ويذبحه ويطعنه ويضعه على الصينيّة، يقطع حملًا آخر، أو إثنين أو أكثر، حسب الحاجة للاسبوع الجديد. ويتمّم الكاهن على كلّ حمل الترتيب نفسه الذي تمّمه على الحمل الأوّل في القطع والرفع والذبح والطعن، ويقول الأفاشين الخاصة بكلّ مرحلة من المراحل، ويضعها على الصينية المقدّسة إلى الشرق من الحمل الاوّل، ملامسة بعضها بعضًا ويتابع إعداد الذبيحة كالعادة.
- أثناء القدّاس الإلهيّ، يكتفي الكاهن بتقطيع الحمل الذي سيتمّ تناوله في ذلك اليوم، ويضع الجزء المعيّن منه في الكأس كما هي العادة، ثم يسكب الماء الحار.

أمّا قطَع "الحمَل" الأخرى فيرفع منها ما سيُترك للقدّاس السابق تقديسه. يمسكه بيده اليسرى فوق الكأس، ويمسك الملعقة بيده اليمنى ويضعها في الكأس ويرفعها مملوءة من الدم الطاهر (الخمر الذي استحال دمًا) ويقول:"أيّها المسيحُ السيّدُ، إن ذبيحة الأصنام قد بطلت بالدّم الإلهيّ من جنبك الطاهر المُحيي، والأرض كلُّها تقدّم لك ذبيحة التسبيح كلّ حين". ثم يسكب الدم الطاهر بالملعقة على الصليب الذي رُسم على الحمل بالحربة سابقًا أثناء تحضير الذبيحة وهو يقول: "إتّحاد وكمال الجسد الطاهر والدم الكريم، آمين". ومن ثم يضع الحمل مقلوبًا في علبة القرابين، ويُعيد العمل عينه على كلّ حملٍ من الخبز المقدّس.

ملاحظة هامة:
- عندما يبارك الكاهن القرابين وقت الاستحالة في القدّاس حيث يتمّ إعداد القدسات للبروجزماني، لا يقول: "إصنع هذه الخبزات"، بل "هذا الخبز" بصيغة المفرد، كون المسيح واحدًا. وعندما يرفع القدسات، يرفع القرابين (قطع "الحمَل") كلّها معًا، ويقول: "القدسات للقدّيسين".

هيكليّة القداس السابق تقديسه:
يقترب قدّاس السابق تقديسه من قدّاس القدّيس باسيليوس الكبير من جهّة صلاة الغروب.
- ترتيب نقل القرابين:
يتم نقل القرابين في هذه الخدمة الطقسيّة على مرحلتين:
١- المرحلة الأولى: في أوّل الخدمة الطقسيّة وتحديدًا بعد الطلبة السلامية الكبرى، إذ تُنقل القرابين التي سبق تقديسها، من المائدة، حيث تكون محفوظة، إلى المذبح.
٢- المرحلة الثانية: تأتي بعد الطلبات الإلحاحيّة، حيث نستبدل الشيروبيكون بالترتيلة التالية:
"الآن قوات السماوات يخدمون معنا، بحالٍ غير منظور، لأنّه هوذا ملكُ المجد يدخلُ عابرًا".
حينئذٍ يتمّ نقل القرابين مجدّدًا من المذبح إلى المائدة المقدّسة (في وسط الهيكل)، وهذا يُسمّى "الدخول بالقرابين". يخرج الكاهن من الباب الشمالي الهيكل حاملا جسد الربّ ودمه الكريمَين بكلّ ورع، ساترًا رأسه، ليدخل إلى الهيكل ثانيةً من الباب الملوكي ويضع القرابين على المائدة المقدّسة. ويتابع المرتّل: "ها هي الضحيّة السريّة تتزيّحُ مُكمَّلة. فلنتقدّم بإيمان وشوق، لنصيرَ شركاء الحياةِ الأبديّة. هلّلويا".
وفي نهاية الخدمة، يتقدّم الؤمنون إلى المناولة من تلك القدسات السابق تقديسها.

ملاحظة: يُعلم الكاهن المؤمنين بعمليّة نقل القرابين في كلا المرحلتين، إذ يرنّ جرس صغير في البداية وفي النهاية ليسجدوا للقدسات المنقولة.

- القراءات:
يتخلّل القدّاس اليوم قراءة من سفر التكوين وأخرى من سفر الأمثال، وكلاهما يتكلّمان عن خلق الله العالم والإنسان وسقوطه وتدبير الله لخلاص الإنسان. والقراءتان تدخلان ضمن التعليم الذي كان يتلقّاه المزمعون أن يتلقّوا المعمودية يوم سبت النور. وتجدر إشارة إلى أنّ هذا التعليم كان يتمّ في فترة بعد الظهر بعد صلاة التاسعة (ما يعادل الساعة الثالثة بعد الظهر) ليستمّر حتى بداية صلاة الغروب وإضاءة الشموع.

- النور في الكنيسة:
إعتاد المسيحيون الأوائل أن يأتوا بقناديلهم إلى اجتماع الصلاة، حيث كانت تقام الصلوات عند غروب الشمس. وحينما يقترب وقت إضاءة القناديل، كان رئيس الشمامسة يخرج مع اثني عشر شماسًا من الهيكل، ويذهب إلى مدخل الكنيسة حيث القناديل مضاءة، فيأخذونها إلى وسط الكنيسة، وهناك يعلن الشماس حاملًا المبخرة، ويقول: "نور المسيح مضيء للجميع". عندئذ يضيء الأسقف كلّ القناديل الموجودة في الهيكل، ويتوجه الشمامسة ليضيئوا قناديل الكنيسة (مذكورة بوضوح في القرن الحادي عشر).
وتطورّت الخدمة، وصار الكاهن يخرج من الباب الملوكي، مع قنديل، فيقف الجميع، فيتابع هو إلى وسط الكنيسة حيث يرسم بالمبخرة إشارة الصليب، ويعلن: "الحكمة، لنصغ، نور المسيح مضيء للجميع".

وهذا شبيه بما يحصل اليوم، حيث يقف الكاهن مع المبخرة والشمعة المضاءة امام المائدة، من جهة الشرق، ويرسم إشارة الصليب معلنًا: "الحكمة، لنصغ ...." ثم يرسم إشارة الصليب متوجهًا إلى الشعب، ويعلن:"نور المسيح مضيء للجميع".
كما يُذكر في القرون الأولى أن في اجتماعات موائد المحبة Agape كان كل إنسان يقف أمام النور الذي هو رمز المسيح (أنا هو نور العالم)، وينشد من الكتاب المقدّس. وهذا أيضُا كان يحصل في المنازل.

• ملاحظات:
1. من أقدم التراتيل في الكنيسة ترتيلة "يا نورًا بهيًّا...." التي نرتلها في صلاة الغروب.
2. الصلاة الأخيرة التي تُقال على المنبر، هي أقدم الصلوات في ترتيب الخدمة.