أحد الفرّيسي والعشّار



أحد الفرّيسي والعشّار 
الأحد الأوّل من فترة التهيئة
 
- الرسالة: 2تيموثاوس 3: 10-15 
- الإنجيل: لوقا 10:18-14

في هذا الأحد يٌتلى المثَل الّذي ساقه الربّ عن فضيلتَي التوبة والتواضع، مبيّنًا كم هما محبوبتان لدى الله، أكثر من الذبائح والعبادة الظاهريّة المرفقة بروح الكبرياء والتعالي على الآخرين.

تاليًا، تنبّهنا الكنيسة أنّ حجر الأساس لفترة الصوم هو التواضع المقرون بالتوبة.

المغزى من وضع إنجيل الفرّيسي والعشّار في الأحد الأوّل الذي يفتتح زمن الترودي هو التواضع.

لما سُئل القدّيس مقاريوس "ما هي أعظم الفضائل ؟" أجاب "كما أن التكّبر أسقط ملاكًا من علوّه وأسقط الإنسان الأوّل، كذلك الاتّضاع يرفع صاحبه من الأعماق".

ويقول القدّيس إسحق السرياني عن التواضع: الذي يتنّهد كلّ يوم على نفسه بسبب خطاياه، خيرٌ من أن يقيم الموتى. والذي استحق أن يبصر خطاياه، خير له من أن يبصر ملائكة.

من يخال نفسه أنّه بلا خطيئة يضلّ ويكون متكبرًا (ايوحنا 8:1). نحن في حاجة دائمة إلى أن نصرخ مع العشار "اللهم ارحمني أنا الخاطئ" (لوقا 13:18). مهما نقتنِ من الفضائل فلنذكر دائمًا أننا ضعفاء معرّضون لأن نخطئ ولنطلب الرحمة والغفران من الله.

قنداق أحد الفريسي والعشار باللحن الرابع
لِنهُربنَّ مِن كلام الفرّيسيّ المُتشامِخ، ونتعلَّم تواضُعَ العشّار، بالتّنهُّداتِ هاتفين إلى المُخلّص: ارحمَنا أيُّها الحَسَنُ المصالحةِ وحدَك.

  
 
الفرّيسّيون
 
كلمة "فرّيسيّ" بأصولها الآرامية تعني "المفروز" أي الذي يميّز نفسه عن سائر الناس على أساس أنّهم خطأة.

هم كهنة وعلمانّيون، بدأوا نشاطهم في الفترة ما بين العهدَين القديم والجديد.استاؤوا من تدهور الحالة الدينيّة وإهمال قانون الله بين الشعب اليهودي في ذلك الزمن، انعزلوا في مجموعات.

فأخذوا يعلّمون حفظ الناموس اليهوديّ بدقّة (التوراة)، في محاولة لاستعادة التقوى بين الناس. ولكنّهم بالغوا في رغبة التقوى والبرّ فسرعان ما بدأوا يثقون بتفسيرهم الخاص للناموس بدلاً من السعي إلى تعلّم مغزاه.

أمسَوا يتباهون بحفظ الشريعة عن ظهر قلب وتعليمها، وتطبيقها حرفيًا. ولكن تصرّفهم هذا كان من الخارج فقط، إذ قال لهم الرب: ”تَرَكْتُمْ الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ”. حفظوا السبت والوصايا العشر وأداء العشور كمظاهر، فنالوا توبيخ الرب وشبّههم بالقبور المكلّسة، أيّ من الخارج بيضاء اللون ومن الداخل مليئة بالعفن.
 
كانت الغلبيّة فيهم تتكبّر على الناس وتتباهى بالسلطة، وأخذوا يركضون وراء المال والمناصب والمراكز والمكاسب الرخيصة، ولا يشعرون مع الشعب وخاصة الفقراء. 
من جهة العقيدة، اعترف الفريسيّون بكل أسفار العهد القديم (التوراة والأنبياء والكتب التاريخيّة الأدبيّة)، بالإضافة إلى أسفار التلمود وغيرها مِن الكلمات الموسويّة المكتوبة. كما آمنوا بالقيامة والثواب والعقاب وبالملائكة عكس الصدّوقيين. وكانوا يتوقعون مجيء المسيا مخلّص إسرائيل كملك عظيم ليرفعهم فوق كل شعوب العالم. وكانو يتّهمون يسوع بانتهاك شريعة السبت ومخالطة الخطأة والعشارين (متى ١١:٩).
  
 
 
العشّارون
 
كلمة عشّار في الأساس تأتي من كلمة عِشْر، وتأدية العِشر مذكورة في العهد القديم وهي أن يقدّم الإنسان عشرة في المئة من كلّ ما يجنيه من مال أو غلال (اللاويين ٣٠:٢٧). 
 
ولكنّ العشّارين لم يحترموا الشريعة ولا طبّقوها. كانوا يجبون الضرائب المفروضة من السلطات الرومانيّة على الشعب اليهودي، وكانوا ظالمين عديمي الرحمة، يأخذون أكثر ما يحق لهم. لذا كانوا يجنون أرباحًا طائلة مِن وظيفتهم هذه، ويتحرّون بين الناس لكسب المزيد.
 فباتوا مكروهين ومحتقرين جدًا من قبل الشعب بخاصة أنّ يمثّلون الاحتلال الروماني ويعتبرون خونة، حتّى أنّ معلّمي الشريعة وضعوا العشّارين واللصوص في الخانة نفسها، وقد ذُكروا في الإنجيل هكذا (متى ١٠:٩ - مرقس ١٥:٢- لوقا ٢٩:٥).
وقد ضرب الرب يسوع المسيح فيهم المثل في عظة الجبل:”أَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟” (متى ٤٦:٥).
 
الرب يسوع تكلّم على ثلاث عشارين:

- لاوي العشّار الذي ترك كل شيء وتبعه وأصبح متى الإنجيليّ (لوقا٢٧:٥-٢٨).
- العشّار الذي نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا (لوقا١٨:١٠).
- زكا رئيس العشّارين (لوقا ٢:١٩).
 
الصوم: كان اليهود يصومون بحسب شريعتهم، التي فرضت الصوم في يوم الكفارة من غروب الشمس إلى غروبها الثاني في اليوم العاشر من الشهر السابع (يوم كيبور) من التقويم العبريّ (لاويّين 23: 26-32). ومارسوا الصيام في مناسبات أخرى أيضا.
وفق الدلالات التاريخيّة، أخذ الفرّيسيّون يمارسون صيامًا منتظمًا تقويًّا في اليومَين الثاني والخامس من كلّ أسبوع (متى 9:14 ؛ لوقا 18:12).
 
 
 
الهيكل:
 معروف بهيكل سليمان كونه هو الذي بناه أوّل مرّة في أورشليم .

كان في الهيكل قسمان رئيسان: الأوّل لا يدخله إلّا الكهنة ويقال له القدس، وضمنه قسم يدعى قدس الأقداس لا يدخله إلا رئيس الكهنة مرّةً في السنة ليقدّم ذبيحة عن خطاياه وجهالات الشعب. أمّا القسم الرئيسي الثاني فمخصّص لليهود دون سواهم. وكان للهيكل باحة داخليّة تتضمّن باحة النساء، وباحة خارجيّة محاطة بأروقة الهيكل بعضها مفتوح لغير اليهود.
 
ملاحظة: الهيكل هو المكان الوحيد الذي كان اليهود يقدّمون فيه الذبائح عن خطاياهم، وكان يفرض على كلّ يهودي أن يزور الهيكل أقلّه مرّةً في السنة.

- هل تعلم أنّنا لا نصوم يومي الأربعاء والجمعة في الأسبوع الذي يلي أحد الفريسي والعشّار؟

 إنّها عبرة كي لا نقع في كبرياء الفريسيّ الذي تفاخر بصومه.

 فالصوم لا ينفصل عن الصلاة النقيّة المتواضعة. والتواضع هو أعظم الفضائل فيما الكبرياء أسوأ الرذائل.

الصوم والصلاة مشروع تنقية داخليّة لولادة جديدة بالرب يسوع المسيح.

 

- هل تعلم لماذا صعد الفرّيسيّ والعشار إلى الهيكل؟

في العهد القديم، كان الشعب يلمس حضرة الله في تابوت العهد، ثمّ في خيمة الاجتماع (خروج 25: 16-21)، ثمّ في هيكل أورشليم، الذي بناه الملك سليمان، حيث صار قدس الأقداس موضع الحضرة الإلهيّة (1ملوك 8: 10-11 ).

الهيكل الذي بناه الملك سليمان هدمه البابليّون سنة 587 قبل المسيح. أمّا الهيكل الذي كان أيّام المسيح فقد هدمه الرومان سنة 70 م.

كان هيكل أورشليم هو المكان الوحيد الذي يقدّم فيه اليهود الذبائح عن خطاياهم،

وقد فُرِضَ على كلّ يهودي أن يزوره أقلّه مرّةً في السنة. أمّا المسيح فأتى إلينا ليكون هو الهيكل والذبيحة. لذلك انشقّ حجاب الهيكل يوم الصليب لأنّ المسيح هدم العداوة الفاصلة بين الله والإنسان وجمع المتفرّفات إلى واحد.

دعوتنا بخاصة في هذا الزمن الخشوعي أن نتوب ونصبح هيكل الرّب القدّوس.