اوصنا: هذه العبارة البهيّة الخلاصيّة.



اوصنا: هذه العبارة البهيّة الخلاصيّة

يرد حدث دخول الرب يسوع المسيح إلى أورشليم في الأناجيل الأربعة (متى ١:٢١-١١/ مرقس ١:١١-١٠/ لوقا ٢٨:١٩-٤٠/ يوحنا ١٢:١٢-١٥)، ولعلّ أبرز كلمة ترنّ في أذهاننا في هذا العيد هي “أوصنا” التي صرخها تلاميذ يسوع والجمع وهي مذكورة عند متّى ومرقس ويوحنا الإنجيلييّن.

ما سرّ هذه الكلمة وماذا تعني بالتحديد وما هي أهميّتها؟

لقد أخذ حدث دخول الربّ إلى أورشليم اسم “شعانين” من كلمة “اوصنا” العبريّة “هوشعنا” والتي تعني “يا ربّ خلّص”.

هذه الكلمة هي أراميّة-عبريّة الأصل، وبقدر ما هي هتاف وتهليل حماسة واستقبال وفرح، تعني في عمقها صرخة خلاص ومناجاة وإنقاذ للعبور من المِحَن إلى برّ الأمان، والشخص المناجى الذي يُعطي هذا الخلاص يُدعى "المُخلّص".

وتتألّف الكلمة من اسم الرب يهوه وفعل الخلاص شنا، وهي صرخة مناجاة واستغاثة لله: خلّص الآن.

أُستعمل الجذر العبري لفعل الخلاص بقوّة في العهد القديم بحيث سُجّل وجوده ٣٥٣ مرّة بأشكالٍ مُختلفة.

 طلب الخلاص هذا قد يُطلب من ملكٍ أرضي كما حصل مع المرأة التي سجدت أمام الملك وطلبت منه المعونة (٢ صم ٤:١٤)، أمّا معناه يتجلّى بالتوجّه إلى “يهوه” فنقرأ مثلاً: “مبارك الربّ يومًا فيوما. يحملنا إله خلاصنا. الله لنا إله خلاص” (مزمور 68: ١٩- ٢٠)، وقال يعقوب لبنيه: "لخلاصك انتظرت يا رب" (تكوين 49: 18)، وأيضًا "من اغتصاب المساكين، من صرخة البائسين الآن أقوم يقول الربّ. أجعل في وسع الذي ينفث فيه" (مزمور ١٢: 5)، “قوتي وترنمي الربّ وقد صار لي خلاصًا” (١١٨ : 14).

كما يشير الفعل أيضًا إلى الإزدهار والرعاية الإلهيّة:”أليس هكذا بيتي عند الله لأنّه وضع لي عهدًا أبديًّا مُتقَنًا في كلّ شيء ومحفوظًا. أفلا يثبت كلّ خلاصي وكلّ مسرّتي” (٢ صموئيل ٥:٢٣).

فعل المناجاة والاستغاثة موجود أيضًا بقوّة في العهد القديم بصيَغ مختلفة، نقرأ مثلًا: “يا رب إلهي استغثت بك فشفيتني” (مزمور ٢:٣٠)، وأيضًا “لأنّه ينجّي الفقير المستغيث والمسكين اذ لا معين له“ (مزمور ١٢:٧٢)، كذلك “طبلتُ من يفرّج عنّي الحزن. قلبي فيّ سقيم” (إرميا ١٩:٨).

هذا الفعل ظهر ٧٢ مرّة في العهد القديم، الملفت أن أكثر من نصف المرّات كان في صيغة المفرد المتكلّم. فعلاقتنا بالرّب علاقة شخصيّة أوّلًا نعبّر فيها عن صدق إيماننا به، ولهذا تقول الكنيسة الأرثوذكسيّة في دستور الإيمان "أومن بإله واحد".

كلمة “اوصنا” كما تأتي في العهد الجديد وتحديدًا في حدث موضوعنا هنا تُترجم “خلّصنا”، أو أعطنا الخلاص، وهي تمامًا كما وردت في المزمور ١١٨ “اه يا رب خلص. اه يا رب أنقذ. مبارك الآتي باسم الربّ” (مزمور ٢٥:١١٨-٢٦)، واسم يسوع بالعبري الذي هو يشوع مختصر يهوشع مؤلّف من كلمتين “يهوه” أي الكائن من ذاته أي الله، و”شنا” فعل الخلاص ليكون معناه بالكامل الله يخلّص، فهو الكائن من ذاته الذي يخلّص دائمًا.

هذا ما قاله الربّ يسوع المسيح لليهود عن ذاته عندما سألوه من أنت؟ أجابهم:«أنا من البدء ما أكلّمكم أيضًا به… ومتى رفعتم (أي متى صلبتم) ابن الانسان، فحينئذ تفهمون إنّي أنا هو” (يوحنا ٢٦:٨-٢٨)، وفي نفس الكلام أكّد لهم الربّ يسوع:«الحق الحق اقول لكم: قبل ان يكون ابراهيم انا كائن» (يوحنا ٥٨:٨).

وفي المعنى ذاته مزّق رئيس الكهنة ثيابه عندما قال يسوع: ”أنا هو” (مرقس٦٢:١٤).

ملاحظة:

يُتلى المزمور ١١٨ بشكل خاص كتسبيح في الاحتفال بعيد المظال حيث يحملون الأغصان، فيأتون الهيكل ويؤكّدون أنّه يجب على كلّ من يريد أن يدخل الهيكل أن يكون بارًا "افتحوا لي أبواب البر”، ويشكرون الله لأنّه خلّصهم من المِحن والضيقات التي عصفت بهم، ويجدّدون ثقتهم بالله، كما كانوا يعتبرون أن الضيقات هي تأديب لخطاياهم ”تاديبًا أدّبني الربّ وإلى الموت لم يسلمني” (مزمور ٨:١١٨).

والجمال في هذا المزمور تحديدًا هو الآيات التي تسبق ما هتف به الشعب في دخول الربّ إلى أورشليم، وهي تتكلّم عن حجر الزاوية الذي رفضه البناؤون والذي صار رأس الزاوية، وقد استشهد يسوع بهذه الآية مشيرًا إلى نفسه بعد دخوله المدينة مباشرةً. (مت٤٢:٢١)، والأجمل هي الآية التي تليها مباشرة وهي آية قيامية بامتياز:”هذا هو اليوم الذي صنعه الربّ. نبتهج ونفرح فيه” (مزمور ٢٤:١١٨).

حجر الزاوية كان مهامه ربط الحائطين الأساسيين في الهيكل، إذ في بادىء الأمر وجد البناؤون حجرًا كبيرًا اعتقدوا أنّه لا ينطبق على المقاسات المطلوبة فرذلوه، ولكن تبيّن لاحقًا أنّه هو الحجر المطلوب، تمامًا كما ربط يسوع وحقّق بشخصه العهد القديم بالعهد الجديد.

وقد قصد أن يدخل الربّ أورشليم في عيد المظال ليعطيهم تمام معنى العيد.

يأتي عيد المظال بعد يوم الكفّارة الذي هو عيد التكّفير عن الخطايا بحيث كانوا يهلّلون أنّهم أصبحوا طاهرين ويقيمون في مظال مدّة أسبوع (لاويّين ٢٣).

كانت مدّة العيد أسبوع، ويضاف إليها يوم ثامن "يوم مقدّس". كانوا في ذبيحة الصباح يحملون سعف النخل وأغصان الآس والصفصاف المحبوكة والفاكهة في أيديهم ويطوفون حول المذبح في الهيكل مرّة في اليوم، وسبع مرّات في اليوم السابع. (٢مكابيين٦:١٠-٧).

 

خلاصة:
لو وضعنا كامل الآيات في المزمور ١١٨ أمام أعيننا لوجدنا غِنى كلمة “اوصنا” التي ننشدها في هذا العيد المبارك:

“الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار راس الزاوية. (٢٣)، من قِبل الربّ كان هذا وهو عجيب في أعيننا، (٢٤) هذا هو اليوم الذي صنعه الربّ. نبتهج ونفرح فيه. (٢٥) اه يا ربّ خلص. اه يا ربّ انقذ. (٢٦) مبارك الآتي باسم الربّ.

فمع الربّ يسوع المسيح "اوصانا" اضحت هتافًا بالانتصار على الموت.