«ايلي ايلي لما شبقتني»



«ايلي ايلي لما شبقتني»

عبارة أراميّة - عبريّة تعني "إلهي إلهي لماذا تركتني؟".

هذا ما صرخه الربّ يسوع المسيح بصوتٍ عظيمٍ وأسلم الروح. (متى ٤٦:٢٧-٥٠).

قد يظن المرء للوهلة الأولى أن يسوع يُعبّر عن أنّه تُرِك من الله، ولكن هل نسينا أن يسوع هو الله الابن؟

في الحقيقة، لاهوته لم يفارق ناسوته لحظةً، أي أن طبيعته الإلهيّة لم تفارق طبيعته البشريّة، وكلّ التدبير الخلاصيّ من تجسّد وصلب وقيامة هو مشيئة ثالوثيّة واحدة غير منقسمة.

إذًا، ما الذي عناه يسوع بصرخته هذه؟ ماذا كان يقول؟

يذكر الإنجيل أن قومًا من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا:
«إنّه ينادي إيليّا» (متى ٤٧:٢٧).

هنا يجب الانتباه لأمرين:
- الأوّل العهد القديم يتكلّم عن الرّبّ يسوع المسيح.

p.83

- الثاني، لم يكن الربّ يسوع المسيح  ينادي إيليّا، بل كان يقول بداية المزمور الثاني والعشرين (٢٢).

هنا بيت القصيد.

من يتابع كلام الرّبّ يسوع المسيح في الأناجيل يلاحظ أنّه كان دائمًا يذكّر معلّمي الشريعة والكهنة بالأسفار المقدّسة والمزامير وأقوال الأنبياء. كان يشدّد على أنّها تتكلّم عنه وتشهد له (يوحنا ٣٩:٥)، وبه تحقّقت، وأنّه أتى ليكملها. وكان يوّبخهم أشد التوبيخ لأنّهم ضلّوا ”تضلّون اذ لا تعرفون الكتب“(متى ٢٩:٢٢).

فهو إذًا يؤكّد بصرخته أنّه المسيح المُنتظر، من هنا قال بولس الرسول الفرّيسيّ الأصل:”لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْد“(ا كورنثس ٨:٢). 

كذلك، الأمر الغاية في الأهمّيّة هو أنّ المزامير المزاميرمعروفة بمقدّمتها، أي بالآية الأولى من المزمور.

من يقرأ المزمور٢٢ يعرف تمامًا المقصد، فهو يبدأ: "إلهي إلهي لماذا تركتني"، ويتضمّن "…عار عند البشر ومحتقر الشعب، كلّ الذين يرونني يستهزئون بي…. ثقبوا يدي ورجلي، أُحصي كلّ عظامي.وهم ينظرون ويتفرسون فيّ، يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون… تذكر وترجع إلى الربّ كلّ أقاصي الأرض، وتسجد قدامك كلّ قبائل الأمم".

كلّ أحاديث الربّ مع اليهود، إن كان مع رجال الدين أو الشعب أو التلاميذ، هدفها أن يعرفوه أنّه المسيح.

هذا ما قاله لنيقودمس مثلًا:”أنت معلّم اسرائيل ولست تعلم هذا!“ (يوحنا٩:٣)، وأيضًا، وبّخ اليهود لجهلهم ورياءهم:”لأنّكم لو كنتم تصدّقون موسى لكنتم تصدّقونني، لأنّه هو كتب عني“ (يوحنا ٤٦:٥).

خلاصة:

صرخة يسوع على الصليب هي صرخة لفتح غلاظة ذهنهم، لأن من يقبل الرّب ويطلب منه أن يمكث معه يُفتح ذهنه ويفهم الكتب، هذا تمامًا ما حصل مع تلميذي عمواس إذ انفتحت أعينهما وعرفاه (لوقا ٣١:٢٤).

الصورة تتجلّى بعد القيامة، إذ نقرأ:”وفيما هم يتكلّمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم: «سلام لكم!» وبعد أن آكل معهم آراهم يديه ورجليه، أي مكان الثقب وقال لهم: «هذا هو الكلام الذي كلّمتكم به وأنا بعد معكم أنّه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنّي في ناموس موسى والأنبياء والمزامير» (لوقا ٤٤:٢٤).

الربّ أخلى ذاته طوعًا حتى موت الصليب ليخلّصنا (فيليبي٧:٢).

فيا ربّ، كما فتحت أذهان تلاميذك ليفهموا الكتبَ، افتح أذهاننا لنقوم معك لحياة آبديّة.